أصبح الزواج من أجنبية المتغير الرئيسي الثالث بعد ظاهرتي العنوسة والطلاق المتسرع الذي اجتاح المنطقة الخليجية ، وهو ما يطلق عليه بالاعصار التحديثي التي تشهده المنطقة في الآونة الأخيرة ، وقد أكدت الدراسات ان نسبة 60% من الإماراتيين ، الذين تزوجوا زواجا ثانيا من أجنبيات، طلقوا زوجاتهم المواطنات.
هناك أسباب لا ينبغي إهمالها أو تجاهلها عند تحليل الأسباب الموضوعية التي جعلت الشباب يتجهون نحو الاجنبيات ، منها أن البعض من الشباب مصابون بحمى الانبهار بالمظاهر التي كانوا يشاهدنها عبر الفضائيات عن طبيعة المجتمعات الغربية ، ومدى الانفتاح التام في السلوكيات والممارسات الحياتية ، فينجرون وراء مظاهر شكلية زائفة، ويستسهلون الزواج من أجنبية ، مع وجود كثير من الأفكار الخاطئة عن الفتاة الإماراتية عند مقارنتها بالأجنبية·
ويتوهمون أنها أكثر جاذبية وإغراء نتيجة تبرجها، أو المغالاة في إظهار نفسها ومفاتنها وجمالها، أو الظن في أنها تتمتع بثقافة جنسية أفضل .
وأن الفتاة الملتزمة أو المحتشمة غير قادرة على إشباع رغباته، أو أنها لا تصلح لأن تكون زوجة، وهو فهم قاصر وخاطئ، إلى جانب ميل كثير من الشباب إلى وجوب التعارف الجيد على الطرف الآخر قبل الزواج خشية أن يكتشف ما يخالف طبائعه وميوله بعد الزواج، وهو ما لا يتيسر للكثيرين منهم، فيلجأ إلى الزواج من أجنبية عادة في السر، أو أن يتزوج من مواطنة إرضاءً للأهل والأسرة، ومن ثم يتزوج من أجنبية لتكون له حياته الأخرى معها بعيداً عن أنظار المجتمع .
كما إن البعض يهرب من عادات المجتمع وتقاليده، ويبحث عن شريكة له تشاركه حياة الاستهتار، والحرية التي يتصورها، وغالبا ما تحقق له الأجنبية هذا الجانب بسهولة في مقابل حلمها وأمانيها بتحقيق مصالح معينة بالزواج من مواطن كالحصول على الإقامة، أو تحقيق مكسب مادي أو أي هدف أو منفعة أخرى، إلى جانب هروب الشباب من المسؤوليات والالتزامات والقيود التي يفرضها المجتمع وأهمها عدم إتاحة فرص الاختيار والتعارف قبل الزواج·
لاننكر أن العامل المادي يمثل أكبر عقبة أمام زواج الشباب سواء إذا كانت تتمثل في أعباء المهر أو تكاليف الزواج التي تثقل كاهلهم ، خاصة وأن المنح التي يمنحها صندوق الزواج لا تفي بالغرض ، كما انها لا تصرف إلا بعد سنتين أو ثلاث من الزواج ، يكون الشاب قد اقترض فيها مبالغ كبيرة من البنوك، وبفوائد ضخمة ترهق كاهله وتدخله في دوامة الديون ، صحيح أن هذه المشكلة تعتبر أسباب ظاهرة، ومؤثرة ولكن علينا أن نتفهم، ونعترف بوجود أسباب أخرى تتمثل في نقص الوعي لدى كثير من الشباب، ولجوء البعض إلى التهرب من فرض اختيارات الأهل للزواج من فتاة من نفس العائلة أو من الأقارب أو فرضها دون مراعاة لرغبة الشاب أو الفتاة، والهروب من الالتزامات الاجتماعية والقيود التي لا تمكن الطرفين من التعارف المتبادل خلال مرحلة الخطوبة فضلاً عن نقص الوعي لدى هؤلاء الشباب بشكل عام·
في وقت يتجه فيه العالم كله إلى الحرية، والانفتاح، ولم تعد مثل هذه القيود مقبولة لدى كثير من الشباب ،.
إلى جانب إحساس الشاب الذي يقبل على الزواج من أجنبية بإمكانية تغيير الزوجة الأجنبية بسهولة، وإن كان يميل الثاني إلى الموافقة على أن الزواج من أجنبية يتيح قدرا أكبر من الحرية والانطلاق، والحرية الشخصية، وعدم تدخل الأجنبية في شؤون البيت والأسرة، وهي عوامل تساعد على أن تجعل من بعض الشباب يفكرون في الزواج منها إلى عامل التربية والتنشئة الاجتماعية وتأثيراتها في تكوين الاتجاهات الايجابية لدى الشباب، وبناء روح المسؤولية الوطنية، والحس الوطني، والوعي، وتقدير النتائج السلبية الناجمة عن الزواج من أجنبية وخطورتها على الفرد والأسرة وبنية المجتمع بأسره .
هذه الافتراضات الرئيسية التي تنطوي في إطارها الأسباب التي تدفع الشباب إلى الزواج من أجنبية تم استخلاصها من خلال دراسة ميدانية أجريت على عينة قوامها 500 حالة من الجنسين بدولة الإمارات ، ابدوا قلقهم من استفحال هذه الظاهرة في المجتمع وخطورتها على بنية وهيكلية الأسرة الإماراتية ، والتي تعكس مدى أهمية رأب الخلل الموجود في البنية الاجتماعية والتركيبة السكانية، وتزايد الحاجة الماسة إلى إستراتيجية وطنية وشاملة لتدارك الأخطار والسلبيات الحاصلة والمحتملة من جراء ظاهرة زواج مواطني الدولة من أجنبيات .