استقلال الأزواج في غرف منفصلة
فلو دققنا في الحياة الزوجية لوجدنا أن الوقت الذي يقضيه الزوجان في هذه الغرفة وقت طويل ، بل هو أطول وقت يقضيه الزوجان في حياتهما الزوجية ، حيث تتراوح ساعات المكوث في الغرفة 6-9 ساعات يوميا أي بمعدل ثلث الحياة الزوجية ، ولكن البعض من الأزواج هجر هذه الغرفة المقدسة واتخذ غرفة بديلة لنفسه لكي يستمتع بما تبقى له من حياة زوجية ، وهذه ظاهرة جديدة يسلكها عادة الأزواج في سن الأربعين عادة .
تعد ظاهره الاستقلال في الغرف بين الزوج زوجته احد أنواع الطلاق العاطفي والتي يطلق عليها في الدين بالهجر ، وهو أسلوب التأديب الذي يستعمله الزوج في آلية الهجر، كأن يولي الزوج ظهره للزوجة في الفراش، أو لا يكلمها ولا يطؤها، أو لا ينام معها في فراش واحد ، ولكن الأمر المؤلم أن تلك القطيعة تستمر لفترة قد تمتد لسنوات طويلة .
لا شك انها حياة صعبة يصعب وصفها بأنها زواج قائم لانعدام مقوماتها كما لا نستطيع أن نطلق عليها طلاق لوجود ارتباط شكلي مجرد خداع اجتماعي, زوجان لا تجمع بينهما عاطفة مشتركة وتكاد تعتمد حياتهما على مجرد الوجود المادي وهو تواجد قد تنعدم فيه المشاركة حتى في مجرد اللقاء العادي العابر بينهم في عالم منفصل تماما بينهما فلا يمكنهما العيش ولا البعد عن بعضهما في حال وجود أطفال لا ذنب لهم وهنا قد يختار الزوجان الصمت والانشغال أو التشاغل كل منهما في عالم غريب .
تعاملت مع حالة أسرية كانت الزوجة التي تزوجت منذ خمس عشرة سنة ، تعيش حياة مستقرة مع شريكها لكن وفي السنوات الخمس الأخيرة قام الزوج بفصل نفسه عن زوجته وقت النوم فجعل زوجته في غرفة النوم الأساسية وأفرد لنفسه غرفة نوم أخري في البيت ، ينام كل واحد منهما في غرفته ثم يلتقيان في الصباح .
ظاهرة استقلال الزوجين في غرف منفصلة حالة تعتري العلاقة الزوجية يشعر خلالها الطرفان بضمور المشاعر وكأنه الطلاق الغير معلن ، والسبب الرئيسي لما تعانيه بعض الأسر من مشكلة الطلاق النفسي والملل والفتور ، لإن ميل الزوج إلي الفراش مع زوجته حاجة بشرية نفسية ، وعبادة ربانية ينبغي أن تؤدي بإتقان يرضي النفس والطرف الآخر ، وإن لم تكن كذلك فإن الرغبات النفسية لا تشبع ولا تموت ، بل تظل داخل النفس حية متوقدة تنتظر الفرج .. ولهذا قليلاً ما يتصارح الزوجان في هذا الموضوع ، إذا كره أحدهما من الآخر تصرفاً ما يصبر حياءً علي مضض ، ثم يفاجأ بعد سنين بالانفصال العاطفي أو بالبرود الجنسي وهذا هو الخطأ الكبير .
تعاملت مع حالة أخرى تقول لي الزوجة المتضررة مضى على زواجنا 11 سنة ولكن الزوج استقل بغرفة ابننا الكبير قبل 4 سنوات بسبب خلاف بسيط ورفض أن يرجع لغرفة النوم الرئيسية حاولت أن اقنعه دون فائدة ، حاولت الخروج من هذا الوضع دون جدوى حتى أنني أفكر أحياناً في الطلاق كحل نهائي لمشكلتنا لكن ما يجعلني أتراجع أطفالي الثلاثة الذين لا ذنب لهم والذين اخاف عليهم من تبعات الطلاق الخطيرة التي قد تجعلهم يضيعون بيننا وهذا ما لا أتصور أن يحدث أبداً لذلك سأصبر ما استطعت من أجلهم.
وموقف آخر حدث مع ام حميد التي تشكو انفصال زوجها عنها فتقول بأن المشكلات بدأت منذ اقترنت به ورغم كل ذلك كنت أقول في نفسي مع دوام العشرة سيتحسن كل شيء إلا أنه وبمرور الأيام كان كل منا يبتعد عن الآخر شيئاً فشيئاً فرغم اختفاء المشاحنات والشجارات إلا أن خصاماً نفسياً من نوع آخر بدأ يتسلل إلى حياتنا حتى أن السلام كنا ننطقه بصعوبة فيما لو قابل أحدنا الآخر حتى أنني في بعض الأحيان كنت أتمنى ألا يعود أبداً إلى المنزل ووصلت الأمور إلى انقطاع العلاقة الجسدية بيننا نهائياً وكل منا كان ينام في غرفة منفصلة عن الآخر ، لم أكن أملك في داخلي تجاهه أية واتفقت معه أن يبقى الوضع هكذا لأسباب تتعلق بالأطفال الذين لا أريد للحظة أن يشعروا بأن والديهم منفصلان ويعيشان حياة غير سعيدة فنحن أمام المجتمع وأطفالنا أسعد زوجين لكن مسافات شاسعة تفصل بيننا .
أثبتت الكثير من الدراسات التي قام بها علماء النفس أنه في حالة الانفصال النفسي يتحول الزواج إلى منجم للأمراض النفسية أو العضوية وأكثر الأمراض شيوعاً هو الإرهاق المزمن وأمراض القرحة والقلب وسقوط الشعر والأمراض الجلدية.
كما تشير إحدى الدراسات إلى أن الانفصال النفسي وعدم المشاركة الجدية بين الزوجين هي في حد ذاتها مرض يتولد عنه مضاعفات كثيرة وهو ما يدفع أحدهما أو كليهما إلى ادمان العقاقير وخاصة المهدئات بحثاً عن الراحة التي هي نوع سلبي من الحلول يهرب فيه صاحبه من المشكلة بحجة المرض ، كما يسهم مساهمة فعالة في توتر العلاقة الزوجية ووصولها الى مراحل تؤدي إلى انهيار العلاقة برمتها ، فهو يظهر لها قدرة زوجها على التغلب على غريزته الجنسية رغم وجودها معًا في بيت واحد
من الآثار المدمرة للانفصال في الغرف شعور كل طرف بالإحباط إزاء الطرف الآخر ونظرة كل شريك إلى شريكه بعين الريبة غير القادرة على الصبر وتغلغل المعاناة النفسية إلى أعماق الوجدان إضافة إلى المرارة التي يعيشها الأبناء من جراء ملاحظاتهم لوالديهم وهما يعيشان منفصلين فكرياً ووجدانياً.
وأنا اقول أن الحياة الزوجية الفاشلة التي تستمر إجبارياً بين الطرفين لأي سبب تكون مقبرة للصحة ومنجماً للأمراض على كل شكل ولون.