الحب الخالد بين الرجل والمرأة
مفهوم الحب – هو عالم من المجهول والمكنون في ذات الوقت ، والذي تعد المادة الدسمة المفضلة لدى الكثير من الشعراء والروائيين عبر التاريخ البشري ، يمتد هذا الشعور في أعماق سائر الكائنات على الأرض إلى نهاية لا يمكن تفسيرها بالصورة المنطقية أحيانا لإنها تتعدى كل الحدود المنطقية في بعض الأوقات ، ولا تخضع للمشاعر العقلية أو المنطقية ، فهذا الشعور الغريب التي يحتل المكان الداخلي في الإنسان فجأة دون سابق إنذار يعد أمرا غامضا وغريبا جدا لا مجال لوضع أي تفسير دقيق له بل يمثل بنفسه الغموض الذي أعجز الكثير عن فهمه ، وفي الوقت نفسه يفرض هذا الشعور الغريب الذي أحار الكثير عن إدارك ابعاده تحديا للعلم والتجربة على مر العصور ، لأن الحب موجود بشكل مستقل ، يعيش في حد ذاته ، فليس له طاعة لقوانين المنطق والعقلاء والأدباء .
وقد قام الكثير من الفلاسفة في تعريف هذا الشعور بوصف دقيق، ولم يفلح كما يبدو أغلبهم في العثور على تعريف جامع مانع له ، سوى الوصف الذي وجدوه متقاربا له ، فتناولوا صفاته وأحواله واشتقاقاته دون ان يصلوا الى أعماقه ، فعلى سبيل المثال قال أفلاطون عنه واصفا «إنما الحبُّ هو المطلع من اللاوجود إلى الوجود»، بينما عرفهُ ابن حزم مثلا في كتابه طوق الحمامة «إن الحب أوله هزل، وآخره جد، وهو لا يوصف، بل إنه لا بد من معاناته حتى تعرفه والدين لا ينكره، والشريعة لا تمنعه» وسنأتي بعد قليل على تفصيل الحب عند العلماء والادباء وسنذكر انواعه ودرجاته ومستوياته في الفصول القادمة .
قصص الحب عبر التاريخ البشري
من أشهر قصص الحب في العالم ما قبل الميلاد خلال عصر البطالمة هي قصة «كليوباترا وأنطونيوس» التي مازال الأدباء والمبدعون حتى الآن يسردونها في كافة مجالاتهم الأدبية والمسرحية ، سواء كانت أدباً أو شعراً أو دراما ، وينسجون منها معظم إلهاماتهم العاطفية والرومانسية، ورغم الخيالات الكثيرة في هذه الرواية التي كان لها واقع معيش في بلاد الإسكندرية ، إلا أنها أصبحت مصدراً للرومانسية العنيفة والمشاعر الملتهبة بين الأزواج على مر الزمان ، وتحولت إلى اسطورة من التضحيات العاطفية لدى الملوك على مختلف العصور ، حيث فضلت الملكة المصرية كليوباترا العيش مع حبيبها القائد الروماني أنطونيوس الذي استطاع الزواج منها بعد قصة حب جمعتهما، وتقديم مصر هدية لها كدولة مستقلة عن الإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي أثار حفيظة الملك الروماني أوكتافيوس الذي كان يعتبر مصر إحدى الممتلكات الخاضعة للدولة الرومانية ، فخلال تولي كليوباترا ملك مصر، وتولي زوجها أنطونيوس قيادة الجيوش؛ سخط الملك على مساعده الأيمن والذي اسند له حكم مصر ومتابعة شئون المملكة نيابة عنه ، لكنه غرق في عشق الملكة المصرية ونسي روما ، فاتهمه بالخيانة العظمى لروما ، وأعلن عن حملة عسكرية باتجاه مصر والقضاء على هذان العاشقان ، ما أدى لقيام الحرب بين أوكتافيوس وأنطونيوس، والتي انتهت بهزيمة أنطونيوس في معركة أكتيوم البحرية وانتحاره.
كان سبب انتحاره هو عدم الوفاء لحبيبته ومعشوقته بالمحافظة على عرش مصر وهزيمته وانخفاض معنوياته وفشله أمام أوكتافيوس، وخوفاً من التجريس في موكب النصر في روما والأغلال في يديه أقدم على الانتحار ، في ذات الوقت لم يقبل أوكتافيوس أن ينتقل العرش من كليوباترا إلى أحد أبنائها ، وخوفا من تلقيها ذات المصير إختارت أن تنتحر على أن تدخل روما في موكب النصر وهي مذلولة وصاغره ، فاختارت أن تقتل نفسها بجرعة سم مميتة مقدسة بحية الكوبرا ، وكان ذلك في نفس الوقت الذي مات فيه زوجها، وحبيبها سنة 30 ق.م
منذ ذلك الحدث، أصبحت النساء يفتخرن بالتضحيات التي فعلتها الملكة كليوباترا، نظير حبها لز وجَها أنطونيوس؛ واعلان موتها من أجل حبهما الأكبر المتبادل .
روميو وجولييت القصة الخالدة
أما الرواية الشهيرة التي ألهبت مشاعر المحبين في كل الأزمان والعصور ، هي قصة «روميو وجوليت» والتي تعد من أعظم أعمال الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، وتعتبر من الكلاسيكيات العالمية التي نسجت أحداثها بإحدى المدن الإيطالية ، وهي مدينة فيرونا الحالمة بقصص العشق العالمية ، وقد حازت هذه الرواية على مساحة واسعة في العديد من مسرحيات اشهر الصالات العالمية في مختلف دول العالم. وتُرجمت إلى عدد من اللغات العالمية ، وكانت اللغة العربيّة واحدة من اللغات التي نشرت المسرحيّة وأُدّيت بها، إلى جانب الألمانيّة، والإسبانيّة، والكوريّة، والفرنسيّة، والإيطاليّة، واليابانيّة ولغات أخرى عديدة
كما أن مشاهد روميو وجولييت ألهمت الكثير من الرسامين لرسم مشاهد المسرحية، ونتج عن ذلك تراث هائل من اللوحات العالمية الشهيرة.
لدرجة أن المحبين بأوربا اتخذوا من أحد المباني الأثرية بالمدينة الإيطالية فيرونا مقصداً لهم؛ لتعليق إحدى الذكريات الرومانسية بين الحبيبين على جنبات المباني لتخليده ، معتبرين هذا المكان الذي التقي فيه روميو بجوليت، حيث تجد في صور هذا المبني ملايين الرسائل والهدايا متناثرة في كل مكان احتفاء بهذا الأثر الرومانسي .
مدينة فيرونا الإيطالية، حيث كان العداء القديم بين عائلتي مونتيجيو وكوبولت يوشك أن يتجدد ، لكن الأمير إسكالوس والذي كان ملك على فيرونا وحاكمها آنذاك حذر الطرفين من عواقب إخلالهما بسلام المدينة والتي قد تصل إلى عقوبة الموت أن قام طرف بالاعتداء على الآخر ، في هذا الوقت كان الشاب روميو واقعاً في حب جوليت وهي من العائلة المنافسه ، وكان صديقه بينفوليو يقوم بالتخفيف عنه ويحذره من الالقاء بها حتى لا تهيج عليه عائلتها فتقوم الحرب بينهما ، ففي إحدى المناسبات يذهب روميو وصديقه إلى حفلة مقامة من قبل عائلة كابوليت مرتدين أقنعة كي لا يُعرفا، ولكن تيبالت الشاب الوسيم الذي كان طامعا في قلب جولييت يعرف بوجود روميو فهمّ بقتاله، إلّا أن السيّد كابوليت منعه من ذلك فيرجع روميو بعد طرده من الحفل ليلتقي بجولييت سرا ، فيتبادلان الوعد بأن يُحبّا بعضهما للأبد مهما حصل لهما . ثم يخبر روميو الراهب لورانس بما جرى، فيوافق الراهب أن يزوّجهما سرا دون علم العائلتين ، في تلك الأثناء يخبر بينفوليو ماركيشيو بأن تيبالت يريد منازلة روميو الذي يأتي إليهما فيما بعد ، ويتم إخبار الممرضة بخطة الزواج، وهي بدورها تخبر جولييت التي تنطلق إلى الراهب لورانس، ويتم هناك زواج روميو وجولييت سرا دون علم أحد ، ثم يعود روميو ويرفض طلب تيبالت للمنازلة، إلّا أن ماركيشيو ينازل تيبالت بدلاً من روميو، فيقتله تيبالت. عندها يرجع روميو ويثأر لصديقه فيقتل تيبالت ثم يهرب ، ويخبر بينفوليو الأمير بما حصل، فيقرر الأمير نفي روميو من فيرونا وتخبر الممرضة جولييت عن أمر نفي روميو، وتعدها بأن ترتّب لهما لقاء خارج المدنية ، ويخبر الراهب روميو بأمر نفيه وينصحه بزيارة جولييت سرّاً ثم الخروج من فيرونا إلى مانتوا.
يخبر كابوليت الشاب الواقع في غرام جولييت ويدعى باريس أن بإمكانه أن يتزوّجها خلال ثلاثة أيام، ويصل الخبر إلى جولييت التي كانت لتوّها قد ودّعت روميو سريعاً، فترفض جولييت الزواج من الشاب باريس وتصرّ على رفضها رغم موجة الغضب التي كانت تعتري والدها، ثم تذهب بعد ذلك إلى الراهب لورانس سائلة إياه المساعدة من هذه الورطة ، لتجد باريس عنده يريد أن يرتّب أمر الزواج ويطلب منه ان يعقد الزواج في الكنيسة ، وبعد رحيل باريس يبتكر الراهب خطّة لمساعدة جولييت تتلخص في إعطائها مشروباً يجعلها تبدو ميّتة لتتجنّب الزوّاج من باريس، ويقوم هو بإخبار روميو بالخطّة التي تقتضي بهروب روميو وجولييت إلى مانتوا والعيش هناك والاختفاء عن الجميع .
تخبر جولييت والدها أنها تقبل الزواج من باريس فوراً، فيقدّم موعده إلى اليوم التالي، وحينها تشرب جولييت السائل الذي أعطاها إيّاه الراهب ، وعندما ظنّ الجميع أنها قد ماتت أعلنوا الحداد ونقلوا جسدها الى الكنيسة لتحضيره للدفن ، لكن بالثازار أخبر روميو أن جولييت قد ماتت فعلا ، فهو لم يعلم بالخطة التي اعدها الكاهن ، فأقسم روميو أن يلقى جسده ميتاً إلى جانبها في تلك الليلة، فيبتاع سمّاً من أحد بائعي الأدوية والسموم ، في هذه الأثناء يخبر الراهب المساعد ويدعى جون الراهب الكبير لورانس أنّه لم يقدر على إيصال رسالته إلى روميو، فيدرك الراهب لورانس الخطر، ويذهب بنفسه للبحث عنه لإخبار ه عن حقيقة الخطة مع جولييت وبما حدث.
يدخل باريس إلى غرفة ضريح جولييت ليرثي جسدها المسجّى في الكنسية ، لكنه يتفاجأ بوجود روميو مختئبا في ذات الغرفة والتي دخلها سرا فيواجهه هناك ويتعاركان بالسيوف ، ويقتل روميو باريس، ثم يشرب السمّ ليموت إلى جانب جولييت. بعدها يصل الراهب لورانس الى الكنسية عندما فشل في العثور على روميو فيجده في الغرفة ساقطا أمام جولييت التي تستفيق من غيبوبتها بعد زوال تأثير الشراب المخدر الذي تناولته ، وعندما تجد جولييت روميو ميتاً أمامها انهارت وبكت ورفضت مغادرة المكان ، وبدلاً من ذلك تقتل نفسها بخنجر روميو وتموت بجانبه لتنتهي فصول أعتى قصة حب حدثت بين اثنين .
العرب هم أهل المشاعر العاطفية في الزمن القديم
يذكر الكثير من الأدباء أن العشق عند العرب تم تصنيفه من أعنف وأعمق مشاعر العشق التي سرت في الأرض ….ولا غرابة في ذلك فعندما نتصفح التاريخ العربي نجد أن قائمه العشاق طويلة جدا والاسامي كثيرة ومتعددة ، سوف نتطرق ونسرد لكم بعضا من قصص ومواقف أشهر عشاق العرب الذين سطرتهم كتب التراث العربي ، والتي تمتلأ بالكثير من قصص الشعراء العرب القدماء والمعاصرون الذين تغنوا بمشاعر الحب والعشق والهيام، وقالوا في ذلك الكثير من الأشعار والكلمات والقصائد العذرية والمعلقات الشعرية التي لا تزال عالقة في اذهان الكثير منا ، من أشهر هؤلاء الشعراء عنترة بن شداد وامرؤ القيس، بل أن الكثير منهم لُقب باسم حبيبته كجميل بثينة وعمر سلمى وعزة كثير وغيرهم من الذين شاعت قصصهم بين القبائل وحملها الركبان بين الأمم ، أما من الشعراء المعاصرين العاشقين الذي سطروا اجمل الكلمات وأغزل العبارات فنجد على رأسهم الشاعر العاطفي نزار قباني وزاهي وهبي وغيرهم الكثير.
من أجمل هذه القصص وأكثرها تداولا، قصة الشاعر والفارس عنترة ، الذي وقع في حب ابنة عمه عبلة ، وصادف أن أحبته هي الأخرى وكان عنترة بن شداد العبسي، بطل حرب داحس والغبراء قد نشأ من أب عربي وهو عمرو بن شداد، وكان سيدا من سادات قبيلته، ولكنه كان عبدٌ لإن أمه الحبشية جارية وكانت تدعى زبيبة اشتراه أبوه من الأسر فأنجبت له عنترة ، وكان شديد البأس قوي العزيمة عظيم الهمة ولكن ذنبه الوحيد انه كان أسود البشرة وهذا ما جعل قبيلته تنكره ، ولكنها في نفس الوقت تمجد بطولاته وصولاته في الحروب ، ولما أتى بالنصر لقومه في حرب داحس فرح أبوه كثيرا وألحقه بنسبه وافتخر به أمام قبيلته، ورد عليه حريته فأصبح في عداد الأحرار ، ومحى عن نفسه ذل العبودية .
خلال تلك الفترة تعلق قلبه بأبنه عمه كثيرا وبادلته نفس الحب العذري حتى أصبح حديث القبيلة والناس من حولهم ، وبلغ الحب بعنترة وعبلة مبلغه فصارا عاشقين، وتقدم عنترة إلى عمه يخطب إليه ابنته، لكن لون بشرته السوداء ونسبه وقفا في طريقه وعدم الحصول على موافقة عمه من الزواج بمعشوقته . فقد رفض عمه مالك بن شداد أن يزوج ابنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي. وكان دائما ما يعايره بسواده وأصل أمه ، ولكن بعد أن استعاد حريته واصبح حرا تقدم لها مجددا وحتى يصرفه عنها ويشعره بقلة الحيلة والعجز عن دفع مهرها، طلب منه أن يدفع لها مهراً مائة ناقة حمراء من نوق الملك النعمان المعروفة بالعصافير، فسعى عنترة لتحقيق ذلك، وبلغ منه الأمر من المشقة أقساها، إلا أنه لم يستسلم، وجاء بمهر عبلة بعد وصل الى النعمان وأبغله بأمره مع ابنه عمه فأشفق عليه واهداءه النوق ، إلا أن والدها لم يقبله منه وتحجج بأشياء واهية حتى يحول دون وقوع هذا الزواج ، وبدل ذلك جعل من مهر ابنته هو رأس عنترة لمن أراد الزواج منها، فرأى من ذلك عنترة الويل، وواجه المستحيل، وفي النهاية قضى الأمر أن تتزوج عبلة من فارس عربي، وتترك عنترة في حزنه، هائما في حبها ينظم الشعر فيها حتى مات.
قصة الحب التي جمعت بين قيس وليلى
ذكر التاريخ لنا قصة قيس وليلى ، فقد احب” قيس بن الملوح” ابنة عمه “ليلى بنت المهدى” ، ولما شاعت بين الناس قصة حبهما غضب والد ليلى ورفض زواجه منها فحزن “قيس” واعتلت صحته بسبب حرمانه من ليلى ، فذهب والده الى أخيه والد ليلى وقال له: إن ابن أخيك على وشك الهلاك أو الجنون فاعدل عن عنادك وإصرارك ، إلا أنه رفض وعاند وأصر على أن يزوجها من شخص آخر غير قيس ، فلما جاءها من يخطبها من والدها رفضت في بادئ الأمر لكن والدها هددها إن لم تقبل بزوج آخر ليمثلن بها ويرسل في قتل حبيبها قيسا ، فوافقت على مضض ، ولم تمض الا عدة أيام حتى زوج “المهدى” ابنته من “ورد بن محمد” فاعتزل قيس الناس وهام في الوديان، حزينا لا يفيق من ذهوله الا على ذكر ليلى ، وأصبح قيس يزور آثار ديارها ويستعبر ويبكي وينظم الشعر في حبها، حتى لقب بالمجنون.
قصة الحب التي جمعت عمرو واسماء
هو المرقش الأكبر واسمه عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيه المتوفي في 552 م، عشق المرقش ابنة عمه أسماء، غير أن أباها رفض تزويجها له وطلب مهرًا مستحيلًا، وهو أن يصبح من الرجال الأسياد وأن يرافق الملوك، فقبل العاشق الولهان الشرطان وارتحل الى اليمن، تلبية لعشقه، وبعد مدة صادق ملكها وعاد به إلى الديار، فوجد أن والدها قام بتزويج حبيبته الى غيره من الأثرياء؛ لما مرّ بقوم والد معشوقته من جدب وقحط. وحين اعترض المرقش على ذلك، أخبره عمه إنَّ أسماء ماتت، ولكنه سرعان ما اكتشف الخديعة فأخذ يجوب الصحاري والقفار بحثًا عن محبوبته ليموت بين خيام قبيلتها بعد أن عثر عليها أخيرًا بعد أن أنهكه المرض .
قصة الحب التي جمعت عروة وعفراء
من قصص الحب كذلك، قصة عروة وعفراء ، كان عروة يعيش في بيت عمه والد عفراء بعد وفاة أبيه، وتربيا مع بعضهما فأحبا بعضهما وتمنى أن يتوج هذا الحب بالزواج ، فأرسل إلى عمه يخطب منه ابنته عفراء، ووقف المال عقبة في طريق العاشقين، فقد غالت أسرة عفراء في المهر، وعجز عروة عن القيام به. وألح عروة على عمه، وصارحه بحب عفراء، ولأنه كان فقيرا راح والدها يماطله ويمنيه الوعود، ثم طلب إليه أن يضرب في الأرض لعل الحياة تقبل عليه فيعود بمهر عفراء. فما كان منه إلا أن انطلق طلبا لمهر محبوبته.
وعاد بعد عدة سنوات بعدما جمع مهرها ليخبره عمه أن عفراء قد ماتت، ويريه قبراً جديداً ويقول له إنه قبرها، فانهار عروة وندب حظه وبكى محبوبته طويلا، حتى جاءته المفاجأة، فقد ترامت إليه أنباء من أبناء القبيلة بأن عفراء لم تمت، ولكنها تزوجت ورحلت مع زوجها ، فقد قدم رجل أموي غني من الشام في أثناء غيبته، فنزل بحي عفراء ورآها فأعجبته، فخطبها من أبيها، ثم تم الزواج رغم معارضتها، ورحل بها إلى الشام حيث يقيم هناك.
ولما علم بذلك انطلق إلى الشام باحث عنها وعن ديارها، فنزل ضيفاً على زوج عفراء والزوج يعرف أنه ابن عم لها ولكنه لا يعلم بحبهما ، ولأنه لم يلتقي بها بل بزوجها فقد راح هذا الأخير يماطل في إخبار زوجته بنبأ وصول ابن عمها ، فألقى عروة بخاتمه في إناء اللبن وبعث بالإناء إلى عفراء مع إحدى الجواري، وأدركت عفراء على الفور أن ضيف زوجها هو حبيبها القديم فالتقاها لكنه أدرك بأنها لن تكون له ولن تستطيع الخلاص من حياتها الزوجية أو الطلاق من زوجها ، وحرصا منه على سمعة عفراء وكرامتها، واحتراما لزوجها الذي أحسن وفادته وأكرم مثواه، غادر تاركا حبه خلفه.
ومضى الزمان عليهما، ومرض عروة مرضا شديدا، وأصابه السل حتى فتك به، وأسدل الموت على العاشقين ستار الختام بموت عروة، بلغ النبأ عفراء، فاشتد جزعها عليه، وذابت نفسها حسرات وراءه، وظلت تندبه حتى لحقت به بعد فترة وجيزة، ودفنت في قبر بجواره.
قصة الحب التي جمعت عبد الله وهند
كانت قصة الحب التي جمعت عبد الله بن العجلان وهند، وكلاهما من نهد من قضاعة، إحدى القصص العاطفية التي تركت أثرها الجميل في التاريخ العربي ، ففي إحدى الأيام لمح عبد الله هندا على بعض المياه فأحبها وتعلق بها ، ثم مضى إلى أبيها فخطبها، وتحقق له أمله فتزوجها وعاش معها بضع سنين كأسعد ما يكون، حبيبان ربط بينهما رباط الزوجية المقدس.
ولكن الحياة وظروفها أبت عليهما السعادة التي ينعمان بها، فقد كانت هند عاقرا، وكان عبد الله وحيد أبويه، وكان أبوه سيدا من سادات قومه المعدودين، ومن أكثرهم مالاً وأوسعهم ثراء، فطلب إليه أن يطلقها ويتزوج غيرها عسى أن ينجب منها من يحفظ على الأسرة مالها وكيانها.
وأبى عبد الله قرار والده، وتحرجت الأمور بينه وبين أبيه الذي أقسم أن لا يكلمه حتى يطلقها، وتمسك عبد الله بزوجته الحبيبة، ولكن أباه جمع عليه أعمامه وأبناء أعمامه، وما زالوا به حتى ضعف أمامهم فانفصل عنها مرغما . وما إن نفذ طلبهم في طلاقها حتى أسف عليها، وندم على فراقها، واشتد حزنه وجزعه من أجلها.
ورحلت هند عائدة الى بيت أبيها ثم تزوجت من شخص اسمه نميـر، فضاقت السبل في وجه عبد الله عندما علم بالخبر ، وانهارت أعصابه، واصطلحت على جسده العلل والأدواء. وعرض عليه أهله فتيات الحي لعل إحداهن تعجبه فتنسيه صاحبته الأولى، ولكنه رفض الزواج. وقضى عبد الله بعد ذلك حياته يبكي حبه القديم، وفردوسه المفقود، وسعادته الضائعة، حتى مات حزنا عليها، وأسفا على أمل كان بين يديه ثم فرط فيه فضاع منه إلى الأبد.
قصة الحب التي جمعت قيس ولبنى
من هذه القصص الشهيرة حكاية قيس بن ذريح الذي عشق لبنى في زمن معاوية، في نفس الوقت الذي شهدت نجد فيه مأساة مجنون ليلى شهد الحجاز مأساة أخرى من مآسي الحب العذري.
كان قيس ابن أحد أثرياء البادية، وذات يوم حار كان قيس في إحدى زياراته لأخواله الخزاعيين وهو يسير في الصحراء شعر بالعطش الشديد، فاقترب من إحدى الخيام طالبا ماء للشرب، فخرجت له فتاة طويلة القامة رائعة الجمال ذات حديث حلو هي لبنى بنت الحباب، فطلب منها أن تسقيه ماء فسقته، فلما استدار ليمضي إلى حال سبيله دعته لأن يرتاح في خيمتهم قليلاً ويستبرد، فقبل دعوتها وهو يتأملها بإعجاب شديد.
ثم تردد عليها وشكا لها حبه فأحبته ، وعندما عاد قيس الى دياره ، مضى إلى أبيه يسأله أن يخطبها له فأبى. فالأب ذا الثراء العريض كان يريد أن يزوجه واحدة من بنات أعمامه ليحفظ ثروة العائلة، فقد كان قيس وحيده، فأحب أن لا يخرج ماله إلى امرأة غريبة، وقال له: بنات عمك أحق بك وبمالك فمضى إلى أمه يسألها أن تذلل له العقبة عند أبيه، فوجد عندها ما وجد عنده. لم يجد قيس أذنا صاغية، ومع ذلك لم ييأس ولجأ إلى أحد أقاربه، ووسطه في الأمر ، وشاء الله أن تكلل وساطته بالنجاح.
وتحقق لقيس أمله وتزوج من لبناه ، لكن القدر أبى عليهما سعادتهما ولم يشأ للعاشقين أن يتحولا إلى زوجين عاديين ممن يقتلهما السأم ، وظل الزوجان معا لعدة سنوات دون أن ينجبا، ودون تردد أشاعت في القبيلة بأن لبنى عاقر لا تلد ، وخشي أبواه أن يصير مالهما إلى غير ابنهما ، فأرادا له أن يتزوج غيرها لعلها تنجب له من يحفظ عليهما مالهما. ولما كان أبو قيس تواقا لذرية تتوارث ثروته الطائلة، فقد ألح على ابنه أن يتزوج من أخرى لتنجب له البنين والبنات.
لكن قيسا أبى قرار والديه ، كما رفض أيضا أن يطلق زوجته الحبيبة، وتحرجت الأمور بينه وبين أبويه، فهما مصممان على طلاقها، بينما هو مصمم على إمساكها. وظل الأب يلح ويسوق عليه كبار القوم، دون جدوى وإمعانا في الضغط عليه أقسم الأب ألا يظله سقف بيت طالما ظل ابنه مبقيا على زواجه من لبنى، فكان يخرج فيقف في حر الشمس، ويأتي قيس فيقف إلى جانبه ويظله بردائه حتى يفيء الظل فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى ويبكى وتبكى معه، ويتعاهدان على الوفاء.
وتأزمت المشكلة لاحقا ، وساءت العلاقات بين طرفيها، واجتمع على قيس قومه يلومونه ويحذرونه غضب الله في الوالدين، وما زالوا به حتى طلق زوجته. كان قيس شديد البر بوالده فلم يشأ أن يتركه يتعذب في الهجير، واضطر اضطرارا لأن يطلق لبنى.
رحلت لبنى إلى قومها بمكة مكسورة الخاطر والفؤاد ، وجزع قيس جزعاً شديداً، وبلغ به الندم أقصى مداه، ومع ذلك فقد كانت تتاح للعاشقين من حين إلى حين فرصة لقاء يائس حزين. وتزوج قيس كارها زواجاً لا سعادة فيه، وبلغ الخبر لبنى فتزوجت هي أيضاً زواجا لا سعادة فيه..وعاش كلاهما في بيت ازوجهما بلا حب سوى الذكرى التي جمعتهما في السابق .
قصة الحب التي جمعت جميل بثينة
هو جميل بن معمر توفي سنة701 م، الذي عاش في القرن الأول الهجري ولعلها من القصص البارزة التي بدأت في العصر الاموي وكان شاعرًا وراويًا، عشق فتاة تدعى بثينة بنت حبأ بن ثعلبة بن ربيعة، وكانت تكنى أم عبد الملك وكانت قبيلة عذرة التي ينتمي إليها العاشقان مشهورة بالموت حبًّا، وكانوا يقولون عن أنفسهم نحن قوم إذا أحبوا ماتوا ، أحب جميل وهو أبو عمرو جميل بن عبد الله بن معمّر أحد عشّاق العرب المشهورين وبدأت القصة عندما رأى بثينة بنت الحباب وهو يرعى إبل أهله، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء، فنفرت إبل جميل فسبها، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه، وبدلا من أن يغضب أعجب بها، واستملح سبابها فأحبها وأحبته، لقد اشتد هيام جميل ببثينة، واشتد هيامها به، وبدلاً من أن يقبل قومها يد جميل التي امتدت تطلب القرب منهم في ابنتهم رفضوها، ولكي يزيدوا النار اشتعالاً سارعوا بتزويج ابنتهم من فتى منهم، هو نبيه بن الأسود العذري.
ولم يغير هذا الزواج من الحب الجارف الذي كان يملأ على العاشقين قلبيهما، فقد كان جميل يجد السبل إلى لقائها سراً في غفلة من الزوج. وكان الزوج يعلم باستمرار علاقة بثينة بجميل ولقاءاتهما السرية، فيلجأ إلى أهلها ويشكوها لهم، ويشكو أهلها إلى أهل جميل، فنذروا قتله حتى يكف عن ابنتهم ، ففر جميل إلى اليمن حيث أخواله، وظل مقيما بها زمنا، ثم عاد إلى وطنه ليجد قوم بثينة قد رحلوا إلى الشام، فرحل وراءهم وهو يبحث عن محبوبته فلم يجدها .
قصة الحب التي جمعت كثير وعزة
تأتي قصة كثير عزة لتنضم لغيرها من قصص العشاق من الشعراء الذين آلمهم عشقهم فجعلهم يبدعون أروع القصائد في وصف الحبيب والشوق إليه، وكان كثير هو أحد أبطال العشق الذين نسبت أسمائهم إلى أسماء معشوقاتهم، وكثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، هو شاعر متيم من شعراء العصر الأموي، من أهل المدينة، توفى والده وهو لا يزال صغيراً فكفله عمه، وأوكل له مهمة رعاية قطيع من الإبل.
أما الحبيبة فهي عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب، كناها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة.
ويقال عن قصة حبه مع عزة أنه في إحدى المرات التي كان يرعى فيها كثير إبله وغنمه وجد بعض النسوة من بني ضمرة، فسألهن عن أقرب ماء يورد إليه غنمه، فقامت إحدى الفتيات بإرشاده إلى مكان الماء وكانت هذه الفتاة التي دلته على مكان الماء هي عزة والتي اشتعل حبها في قلبه منذ هذه اللحظة وانطلق ينشد بها الشعر، وكتب بها أجمل ما قال من غزل.
عرفت عزة بجمالها وفصاحتها فهام بها كثير عشقاً ونظم الأشعار في حبه لها مما أغضب أهلها وسارعوا بتزويجها من أخر ورحلت مع زوجها إلى مصر، فانفطر قلب كثير وانطلقت مشاعره ملتهبة متأججة ولم يجد سوى الشعر ليفرغ به آلامه وأحزانه في فراق الحبيب.
سافر كثير إلى بلاد النيل حيث قصد مقر دار محبوبته عزة بعد زواجها وكان فيها صديقه عبد العزيز بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش، وجاءت وفاته في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.
قصة الحب التي جمعت عمرو وعقيلة
قصة أخرى من قصص الحب انتهت بمأساة كانت بين عمرو بن كعب بن النعمان الملك وابنة عمه عقيلة.
نشأ عمرو معها في بيت أبيها بعد وفاة أبيه، وربط الحب بين القلبين الصغيرين، حتى إذا ما كبرا تقدم إلى أبيها يطلب عونه لما كان بين أسرتيهما من صله فرفض العم زواجه طمعا في الحصول على نسب وجاه جديد ، ففي إحدى سفرات عمرو بلغه الخبر أن عمه زوج عقيلة لأحد من بني فزارة، فكانت صدمة له لم تقوى على احتمالها أعصابه فانهار، وانطلق إلى الصحراء ذاهلا عن كل شيء هائما على وجهه في إقليم اليمامة، وقد شد بصره إلى السماء، حتى أدركته منيته في تيه لم يعرف مكانه فيه.
وفى بيت الفزارة الجديد ، تعيش عقيلة مع زوجها كما يذكر الرواة عذراء لم تقبل أي يلمسها أو يقترب منها ، وتنهار أعصاب زوجها، فيخرج هو أيضا إلى الصحراء هائما على وجهه فلا يدري أين مذهبه. وتعود عقيلة إلى بيت أبيها تندب حظها، وتبكي مأساتها، وتدب الأدواء والأسقام في جسدها حتى تذويه وتضنيه، ثم يضمها الموت إليه لتلحق بحبيبها.
وهناك في اروقة التراث العربي الكثير من القصص التي ملأت جعبات التاريخ، إلا أن بابها لو فتح فلا مجال لإغلاقه.[1]
[1] المصدر : الشعراء العشاق في العصر الجاهلي وصدر الاسلام المؤلف زهراء هادي السلطان مهدي الخفاجي الناشر دار الكتب والوثائق العراقية, 2003 ، ومنشورات جامعة رُتجرز، نيوجيرزي، ط2، 1997، ص 33. ، ومصدر جعفر السراج، مصارع العشاق، بيروت، 1858، مج 2، ص 186.ومصدر“الشعر الأموي”، في تاريخ الأدب العربي – كامبردج، م. س.، مج 1، ص 387-432، وراجع ص 419-27 حول أدب الحب ومصدر النقاش المقنع للمنصف الوهيبي، “العشاق العرب