أكد في البداية أن الحياة الزوجية تحتاج للعديد من الأسس والقواعد العملية التي تندرج ضمن أولويات واهتمام الطرفين سواء من الحب والاهتمام والتقدير والثقة ، وان تزعزعت إحدى القواعد عن مكانها فسوف يزول أثرها ، فمن أهم القواعد الرئيسية والحساسة في الحياة الزوجية ، توفر الصراحة وعمق الاهتمام والثقة المتبادلة بين الطرفين في التعامل مع مجريات الحياة ، فالحوار هو المسلك المؤدي للتفاهم والوضوح ، أما أن تتحول الحياة لزوجية الى ممارسة سرية غامضة فانه وبلا شك تؤدي إلى اختلال الثقة ويشيع روح التوجس الأمر الذي يطلق نذير المراقبة والتجسس بين الطرفين .
ونعلم أن ظاهرة التجسس هو مرض عضال يؤكسد العلاقة الزوجية ويصاب به الرجال اكثر من النساء وذلك لأسباب عدة منها ما هو طبيعي ، مثلا ارتفاع نسبة ( التستوستيرون ) والتي تزيد عند الذكور بنسبة ثلاثين ضعفا كما لاحظ د. ليونيل تايغر أخصائي تطور المجتمعات البشرية ، أو مرض ( السيكوماتية ) والذي يؤدي إلى الشك الزائد وتفسير المواقف بصورة عكسية ، وقد يكون لسبب آخر وهو عندما يرى الزوج أن سيطرته باتت مهددة بسبب شخصية الزوجة او تصرفاتها الغامضة ، او إذا ما كانت موظفة في قطاع مشترك تخالط فيه الرجال ، وقد يكون إصرار الزوجة على الخروج من المنزل بكامل زينتها واناقتها بدون مرافقة الزوج ، او الجلوس أمام الهاتف بالساعات وخاصة في وقت انشغال الزوج خارج المنزل ، وغيرها من العوامل التي تشكل باعثا قويا على المراقبة والتجسس وأنا أتوقع حدوث الكثير من هذه الحالات بين الطرفين وذلك بسبب ما وصل إليه المجتمع من تطبيق مفهوم الحرية خاصة في عالم الأزواج الذي لا يعرف الثبات عند حد معين ، فالعمل الدائم والسيارة والهاتف النقال والمنزل المستقل والإنترنت والانشغال الدائم كلها عوامل تفضي إلى هذا المسلك واذا كان أحد الطرفين يعاني في الأصل من مرض عدم الثقة والشك في التصرفات فانه نذير شر على حدوث مصيبة متوقعة .
ولكن مع ذلك ليس التجسس هو نتيجة مرض نفسي معين ، بل تلاشت هذه الفكرة عندما أكدت بعض الدراسات النفسية أن التجسس هي سمة مشتركة بين الطرفين ويندر أن تفارق أحدا منهما ولكنها على درجات ونسب متفاوتة ، وليس شرطا أن تكون بين الأزواج بل قد تمتد الى أفراد الأسرة وخاصة مراقبة الاخوة للشقيقات في خروجهن ومكالمتهن حتى أصبحت هذه القاعدة هي السمة السائدة ( أنت متهمة حتى تثبت براءتك ) وقد نشرت إحدى الوكالات عن رجل يدعي ( روني بروك ) بعدما قام بتأسيس مؤسسة خاصة توفر أد وات للتجسس على الأزواج من تصنت على المكالمات او زرع أجهزة في المكاتب والملابس الشخصية، لدرجة انه يوفر بعض الجواسيس من النساء لمتابعة الأزواج حتى في أثناء السفر للخارج ، او بتكليف بعضهن بمغازلته وتسجيل ذلك بالصوت والصورة وذلك لمعرفة مدى ولاء الزوج أو الزوجة ، وفي اليابان خرج العلماء باكتشاف جديد يتيح للزوجة كشف أسرار الزوج عن طريق محلول يرش على ملابس الزوج قبل الغسيل ليكشف أي روائح أو أثار نسائية .
جاءتني مكالمة تشتكي صاحبتها من تجسس زوجها عليها وذلك بتجنيد طفلتهم الصغيرة التى تنقل جميع الأخبار حتى وهي عند صديقاتها أو في منزل عائلتها ، وأخرى تقول أنها متزوجة منذ عشر سنوات ورغم ذلك لا يزال زوجها يرتاب منها فما أن يخرج للعمل حتى يتصل بها اكثر من 9 مرات للتأكد من أنها لم تغادر المنزل أثناء غيابه وإذا كان الخط مشغول فتلك مسألة أخرى من الاستجواب حتى وصلت به الحال بتكليف أحد أصدقائه بالاتصال بزوجته ومكالمتها وهو يستمع من الخط الفرعي الأخر ، وحالة أخرى تقول الزوجة أن زوجي كان يخفى عني فواتير الهاتف النقال الخاص بي ويتحجج بأنها لم تصل للبريد ثم تكتشف انه يقوم بالتجسس عليها عن طريق الاتصال بالأرقام المدونة بالفاتورة ثم يعتذر بخطاء الاتصال للتأكد من الطرف الأخر .وجاءتني حالة أخرى ، زوجة لم يمضي على زواجها عدة أشهر تشتكي من سلوك زوجها المتقلب بعدما كانت سعيدة معه أثناء فترة الخطوبة تقول بعد فترة قصيرة تغير سلوكه في تعامله معي ، إذا تحدثت في التلفون يأتي من خلفي ويسحب السماعة ليتأكد من المتحدث ، وإذا خرجت إلى أهلي يتصل كل 10 دقائق ليتأكد بأنني لم أخرج ، حتى قام بتوصيل خط فرعي للهاتف ، ليستمع لمكالماتي مع الصديقات ، ودائما ما تنتهي تلك المواقف بالشجار والخصام . حتى تفاجأن بأنه قد أقام علاقة مع إحدى الزميلات في العمل فقط لمجرد متابعتي ومع من أتحدث وأضحك .
ويؤكد الدكتور غولبرغ مؤلف كتاب ( الذكر الجديد ) بأن اكبر دافع للتجسس هو الخوف من الوقوع في مستنقع الخيانة الزوجية بكافة أنوا عها ، النظرة والابتسامة والمكالمة والمحادثة واللقاء ، واضاف بأنها اكبر مشكلة عصرية تواجه المجتمعات بأسرها ، ويشترك فيها الطرفان وان كان الرجل هو صاحب النسبة الأكبر وكم من البيوت انهارت بسببها ، ففي استفتاء أجراه معهد الصحة العقلية في نيويورك شمل نساء ورجال يمثلون كافة أنواع المجتمع تبين إن الشك والتصرف الغامض والعلاقات المتعددة وعدم المصارحة هو الدافع الأكبر للتجسس .
والتجسس هي إحدى المظاهر المدمرة للعلاقة الزوجية ونراها في تزايد بسبب السلوك الذي بدا يترسخ في الأذهان بسبب ما تطل به وسائل الإعلام والمسلسلات الغربية وما تنشره بعض المجلات والجرائد من قصص واقعية تتخصص في الإثارة والإجرام والخيانات الزوجية وغيرها ، فلا بد من ضوابط تحددها الجهات الرقابية ، فالمشكلة في تضخم وان لم نلمسها كظاهرة اجتماعية بسبب سريتها ووقوعها في مكامن النفس وتحفظ المجتمع عليها .
وعموما تأتي عملية التجسس إذا ما توفرت السمات التالية :
- – الاهتمام بالمظهر المبالغ على غير العادة خصوصا عند الخروج في المساء0
- – كثرة استخدام الهاتف والتحدث بصوت خافت وإغلاق الهاتف عند مجيء الزوج0
- – الكذب المستمر وتبرير بعض التصرفات غير المسؤولة 0
- – توقف الاتصال الجنسي بين الزوجين لفترة طويلة دون سبب منطقي 0
- – خروج أحد الزوجين لفترات طويلة الى الأماكن المشبوهة او الغامضة عن الآخر0
- – اختلاق أحد الطرفين إثارة المشاكل بهدف ترك المنزل 0
- – حصول أحد الطرفين على هدايا وأشياء ثمينة بشكل غير اعتيادي 0
- – عند لجؤ الزوج للمسكرات نظرا للارتباط الوثيق بين الخيانة والخمر 0