يعتبر الطلاق مشكلة اجتماعية نفسية تؤثر على الطرفين وتتشعب آلي أطراف أخرى كالأبناء والأهل .. وهو ظاهرة عامة في جميع المجتمعات ويبدو أنه يزداد انتشاراً في مجتمعاتنا وإن كانت النسب تتهاوى صعودا وهبوطا لكن يبقى الطلاق هو ” أبغض الحلال ” لما يترتب عليه من آثار سلبية في تفكك الأسرة وازدياد العداوة والبغضاء والآثار السلبية المترتبة عليه ، بل إنها عملية مؤلمة نفسيًّا، وتوافق الفرد مع الطلاق يرتبط بمدى استعداده لمناقشة هذا الموضوع، والمقصود بالسلوك التوافقي: هو السلوك الموجه من الفرد عن وعي وإدراك للتغلب على العقبات والمشكلات التي تحول بينه وبين تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته، ويتم ذلك عن طريق تعديل الفرد لذاته وبيئته؛ ليتحقق له الانسجام مع بيئته بشكل يحقق له الرضا الذاتي والقبول الاجتماعي ويخفض توتراته وقلقه وإحباطاته.
وتحتاج المرأة في الفترة التالية لأزمة الطلاق إلى فترة تعيد فيها ثقتها بنفسها، وإعادة حساباتها، والتخلص من أخطائها وتعديل وجهة نظرها نحو الحياة بصفة عامة والرجال بصفة خاصة، وتعويض الحرمان وشغل الفراغ الذي خلفه ترك زوجها لها وحيدة خاصة إذا كانت لا تعمل، فالتغلب على ما تعانيه من صراعات نفسية تولدت عن تجربة الفشل التي عاشتها نتيجة لتغير النظرة إليها، وانخفاض مفهوم الذات لديها، وكذلك لما مرَّ بها من حرمان ومآسي طوال حياتها الزوجية الفاشلة أمر غاية في الصعوبة. كما أن المرأة التي ما زالت تحت زوجها وليست مستعدة للطلاق تحتاج وقت أطول كي تستعيد توافقها.
إن القول الشائع لدي كثير من الناس أن الرجل لا يتأثر بل ولا يهتز لخبر الطلاق ، لكن الواقع يقول عكس ذلك إذ إن الدراسات العربية والغربية تخبرنا أن المرأة تتمتع بمناعة أكثر ضد الصدمات العاطفية بعكس الرجل ، لكن الرجل يتغلب علي تلك الصدمة بالزواج مرة أخرى ، بعكس المرأة التي تشير الدراسات إلي أن عملية زواجها مرة أخرى تأخذ وقتاً أطول مقارنة بالرجل .إذن فالزوج يتأثر عاطفياً أكثر بل وقد يصاب بأعراض وأمراض نفسية
فوفقا للدراسات التي أجراها العلماء في إحدى الجامعات البريطانية وجدوا آن الانفصال له آثار سلبية على الرجال أكثر من النساء، لأن الآثار النفسية تمتد لفترة أطول عند الرجال. كذلك تبين أن الصعوبة في بدء علاقة جديدة تكون أصعب عند الرجال مقارنة مع النساء اللواتي يتكيفن مع الواقع الجديد بعد فترة من مضي الطلاق . .
كذلك تبين من خلال الدراسة التي شملت آلاف الرجال والنساء ، أن النساء اللاتي كن قد انفصلن في السابق أو تعرضن لتجربة الانفصال أكثر من مرة يكن أكثر الأشخاص تأثرا. وتكون آثار الانفصال النفسية أكثر ظهورا وأطول امتدادا مقارنة مع النساء اللائى يخضن تجربة الانفصال لأول مرة.
أما الأمر الطريف فهو أن نتائج هذه الدراسة جاءت عكسية بالنسبة للرجال. فالرجال الذين تعرضوا للانفصال لمرة واحدة تخلصوا من الآثار السلبية بعد خمس سنوات والسبب الرئيس هو سرعة الاقتران بزوجة أخرى .
أثبتت الدارسات التي قام بها علماء الإرشاد الأسري على أن الطلاق في كثير من الأحيان يسبب حالة نكوس حاد لدى الزوج لإحساسه بعدم تمكنه من المحافظة على العلاقة الزوجية وانه هو السبب في فشلها وان شريكته كانت تعيش أتعس أيام حياتها تحت سمائه، وانها لم تلجأ إلى الطلاق إلا بعد أن وصلت لذروة اليأس والفشل والألم، فينتقل هذا الأم إلى نفسية الزوج وينعكس على صلامته النفسية والعاطفية فيدخل مرحلة انغلاق الداخلي واحتباس المشاعر ويحتاج إلى فترة تطول أو تقصر ليعود آلي مرحلة التوافق النفسي ؛ فحتى يستطيع الزوج المطلق الرجوع لمرحلة الاستقرار انصحه باتباع طريقة التوافق النفسي والتي تمر بثلاث مراحل وهي :
- مرحلة الصدمة: حيث يعاني المطلقون من الاضطراب الوجداني والقلق بدرجة عالية خاصة في الأشهر الاولى من عملية الطلاق .
- مرحلة التوتر: يغلب عليها القلق والاكتئاب وتتضح آثارها في الأساس بالاضطهاد والظلم والوحدة والاغتراب والانطواء والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس، وعدم الرضا عن الحياة.
- مرحلة إعادة التوافق: وفيها ينخفض مستوى الاضطراب الوجداني، ويبدأ المطلقون إعادة النظر في مواقفهم في الحياة بصفة عامة، والزواج بصفة خاصة.
عادة ما تعود الأنفس آلي مهدها وهدوئها بعد مضى فترة من وقت الطلاق، بعامل الفراق وعامل الزمن يبحث الزوج عن رفيق جديد للحياة وتصدمه الحقيقة المُّرة وهو الواقع الجديد ما بعد عملية الطلاق والحياة الانفرادية التي سوف يعيشها من بعد فترة الشمل والأسرة الواحدة ، فالبعض من الرجال ليس لديهم الاستعداد النفسي للتوافق مع الحياة الجديدة ما بعد الطلاق ، وتصدمها الحقيقة الثانية وهي مشكلة الأولاد ومصيرهم التربوي والعاطفي والخشية من الانهزام العاطفي والتأثر ما بعد الطلاق ، والصدمة الثالثة مدى احتمالية اقتران الزوجة المطلق برجل آخر وترك الأبناء تحت وصاية الجدة أو أن تتخلى عن أولادها وتخدم أولاداً غير أولادها إن هي تزوجت رجلاً أرمل أو مطلقًا مثلها – والصدمة الرابعة هو الصعوبة الكامنة في أن الزوج المطلق لن يتمكن من سد حاجيات أطفاله المادية والنفسية والاجتماعية والسلوكية كما كان الوضع في السابق بالإضافة إلى غيرة الزوجة الجديدة في حال زواجه من هؤلاء الأطفال كلما رآتهم؛ لأنهم يذكِّرونها دائماً بأن أمهم كانت لهذا الزوج قبلها فقد تسئ معاملتهم أو قد ترفضهم .
وتصدمه الحقيقة الخامسة وهي أن أهل الزوج المطلق نفسه ومحيطه لا يقبلون له حياة العزوبية للاستقرار أولاً وخشية كلام الناس ثانيًا، فيكون تحت ضغط نفسي متواصل بهدف التخفيف عنه ومنحه فرصة أخرى للاقتران من جديد ؛ لذا يسارعون في تزويجه قبل أن تلتئم جراحاته النفسية وفي كثير من الأحيان يجبرونه على ذلك إذا كان حديث عهد بزواج .
بالإضافة إلى كثرة الضغوط النفسية والقيود التي تحيط به خاصة فيما يتعلق بحقوق الأبناء ، كل هذا قد يدفعه السير “بالدفع الذاتي” في الحياة مكبلا بالوحدة والفراغ النفسي والروحي ويتقوقع على نفسه.