الكاتبة نسرين نجم
إختصاصية في علم النفس الاجتماعي
لا شيء في الطفولة مهم بقدر الحاجة للشعور بحماية الأب” (فرويد)
يعتقد الكثير في مجتمعاتنا الشرقية أن مهام تربية الأطفال محصورة فقط بالأم، ويأتي دور الأب ك”ناظر” فقط أو وسيلة للتهويل، وهذه الفكرة تعود إلى ثقافة خاطئة ناتجة عن عُرف توارثته الأجيال، غافلين عن دور الأب الأساس في بناء شخصية الطفل، معتبرين أن موضوع التربية ينتقص من رجوليته. وهذا يعتبر جهلًا بأهمية وجود الأب كمعلم في حياة الطفل، كقدوة ونموذج يتماهى به. وحتى أنه للأسف عدد كبير من الأمهات لا تعلمن بمعنى توزيع الأدوار داخل الأسرة بينها وبين الوالد ، فهن يتصورن بأن دوره محصور فقط بتأمين المسكن و الملبس والطعام والمصاريف ، وبعض الأمهات تستخدم صورة الأب كديكتاتور متسلط حازم في كل شيء ، وهذا أمر خاطئ و مرفوض.
إلى جانب دور الأم و مهامها المتعددة في التربية ، يأتي دور الأب ليكون الصديق المخلص ، الذي يزرع في أذهان أطفاله القيم والمبادئ والمفاهيم السليمة التي تؤسس لصناعة شخصية سوية ، فهو الحامي لأسرته والمحفز على أسلوب الحوار و النقاش ، الأمر الذي يترك أثرًا إيجابيًا لديهم بتعزيز الثقة في النفس، ويعتبر المرجع الذي يلجأوون إليه عندما تواجههم مشاكل معينة و يعلمهم كيف يعالجونها .وتؤكد أكثرية الدراسات بأن الأطفال الذين حظوا بوجود فعال للأب في طفولتهم تكون لديهم مشكلات سلوكية أقل من أقرانهم، إضافة إلى أنهم يتميزون اجتماعيًا ودراسيًا.
الأب ليس فقط مصرف للتمويل أو هو الضيف الذي يأكل و يشرب و ينام فقط ، فمهما كثرت مشاكله ومشاغله خارج البيت ، هذا لا يعفيه ابدًا من مسؤولياته الأسرية ، فدوره لا يقل أهمية عن دور الأم . فالطفل خاصة في السنوات الأولى يبحث عن نموذج قوي يقتدي به ويعتبره الأنا الأعلى الذي منه يستمد قوته ويحدد “أناه”، فهو بنظره ذلك البطل الذي يقلده في كل شيء ، وهذا ما نلاحظه عند الأطفال عندما يقلد أباه في حركاته وتصرفاته وسلوكياته وحتى في مشيته، وعندما لا يتوفر هذا النموذج يلجأ إلى نماذج أخرى تعرض على الشاشات عبر برامج ومسلسلات ، أو عبر ألعاب الكترونية تقدم شخصيات يعتبرها الأطفال أنها القدوة ، وهي بالحقيقة بعيدة كل البعد عن قيم مجتمعاتنا وأخلاقنا ومبادئنا، حتى أنها شخصيات خيالية إفتراضية، فيعيش عندها الطفل في صراع بين ما يشاهده من والده وما يراه على الشاشة . خاصة عندما يقدّمون البطل على أنه القوي الذي لا يقهر ولا يموت، فيستخف الطفل بوالده ويعتبره إنسانًا ضعيفًا فتزداد الهوة بين الطرفين وصولًا إلى عدم الإحترام.
ولا يمكن أن نغفّل عن نقطة هامة تتعلق بدور الأب المرتبط بمدى إحترامه لزوجته، الأمر الذي يولد أمانًا لدى الأطفال، ويعلمهم بطريقة غير مباشرة كيف يتعاملون مع الشريك الآخر، حتى أن الفتاة عندما تكبر تبحث عن رجل يشبه صورة والدها.
من الضروري أن يخصص الأب وقتًا يقضيه مع أبنائه وذلك عبر القيام بأنشطة مشتركة، أو مثلًا عبر قراءة قصص لأطفاله قبل النوم، على أن يوزع الأدوار بينه وبين زوجته، فهذه اللحظات تقرّبهم جدًا من أطفالهم. ولا بدّ من الإشارة إلى أن إظهار العاطفة والحب والحنان ليس مقتصرًا فقط على الأم، بل من الواجب أن يعبر الوالد عن مشاعره تجاه أبنائه، ويمدّهم بالعاطفة. فالمطلوب منه استخدام الشدّة والحزم إلى جانب الرفق والتسامح وإنطلاقًا من تأسيس مثل هكذا علاقة قائمة على التواصل والاحترام والمودة، يصبح كلام الأب مسموعًا ونصائحه معمول بها من قبل أولاده. لا كما يحصل في عدد كبير من الأسر حيث أن كلمة الأب ونصائحه تدخل في أذن وتخرج من الأذن الثانية دون أن تؤثر بالطفل.
الزواج شراكة أي المشاركة والتعاون بكل القضايا والأمور التي تتعلق بالأسرة، وعلى الأم أن تفسح المجال للأب بأن يؤدي دوره تجاه أبنائه، فوجود الأب في حياة الأبناء له التأثير الإيجابي وغيابه يؤثر سلبًا. يحتاج الأطفال لأن يشعروا بالأمن والأمان العاطفي وبأن هناك حماية وإرشاد ورعاية تحصنهم من حالات الضياع والإنحراف والإدمان والسلوكيات الإجرامية في المستقبل.
والأهم في هذا كله أن يكونا الشريكين (الأب والأم) متفاهمين على طريقة وأسلوب تربية الأطفال، وأن يتعاونا معًا في تنشئة أبنائهما حتى يحصنوهم من الأمراض النفسية والمشاكل الإجتماعية المتأزمة، عندها يولّد لدى الأبناء الثقة بالنفس والتفكير والتخطيط الصحيح لإدارة حياتهم.