قد تكون الخلافات الثنائية وخاصة تلك التي تحدث بين الزوجين أو الشريكين كثيرة جدًا ومختلفة، إلا أن الاختلاف الأهم يكون في الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع تلك الخلافات، الأمر الذي يُمكن أن يكشف ويتنبأ بمستقبل الخلاف والعلاقة نفسها على المستوى البعيد، فبالنسبة لعلماء النفس، يشكل الحوار بين الأطراف مؤشرًا مهمًا يمكن من خلاله التنبؤ بجوانب عديدة للعلاقة أهمها مدى صحتها أو نسبة حدوث الطلاق والانفصال خلالها.

في كتابه “عيادة الزواج“، وضع جون جوتمان، عالم النفس الأمريكي في جامعة واشنطن وخبير العلاقات الشهير الذي أمضى أكثر من أربعة عقود في دراسة العلاقات الزوجية، رؤى واستراتيجيات فعالة يمكن لها من وجهة نظره التنبؤ بمستقبل أي علاقة زوجية إن كانت ستنجح أم ستؤدي الصراعات فيها إلى الطلاق في النهاية.

هناك أربعة مؤشرات أساسية يمكن لها أن تؤدي لفشل العلاقة وتتنبأ بحدوث الطلاق بنسبة 93%

وينوه جوتمان في كتابه وأبحاثه أن الاختلافات في الرأي والمشاكل المتعلقة بها لا تدمر العلاقات الزوجية، إلا أن طريقة تعامل كلا الزوجين أو الشريكين مع تلك الخلافات هي المسؤولة عن تدمير العلاقة، فنحو 69% من المشاكل بين الشريكين تكون مستمرة لا تنتهي، بمعنى آخر يبقى الشريكان يدوران حولها في حلقةٍ مغلَقة بين الحين والآخر.

يرى جوتمان في كتابه أن هناك أربعة مؤشرات أساسية يمكن لها أن تؤدي لفشل العلاقة وتتنبأ بحدوث الطلاق بنسبة 93% لأيٍ منها في حال كانت تحوي واحد أو أكثر من تلك المؤشرات الأربع، والتي أطلق عليها جوتمان اسم “الفرسان الأربع أو the four horsemen”، وهي النقد والدفاعية والاحتقار والمماطلة أو التسويف في حل المشاكل.

لكي تتجنب الانخراط بالنقد السلبي، ركز اهتمامك دومًا على تعبيرك عن مشاعرك ومخاوفك في العلاقة باستخدام صيغة “أنا”، وليس بمهاجمة الطرف الآخر وانتقاد شخصه، مثل “أنا أشعر بالحزن حينما تتبقى جميع الأعمال على كاهلي”، بدلًا من “أنتَ غير عطوف أو أناني”

النقد هو المؤشر الأول لأنه الآلية الأولى التي يتبعها الطرفان أو أحدهما وقت الصراعات والمشاكل، ويشرح جوتمان أن النقد هو مهاجمة الطرف الآخر أو شخصيته وليس تصرفاته التي لا تُعجبنا، كأنْ تقول له “أنتَ أناني” أو “أنت كسول” في حال حدوث حوارٍ عن المهام البيتية مثلًا، وتشتكي الزوجة من شريكها عدم مساعدتها في أعمال المنزل، في الوقت الذي بإمكانها فيه استخدام عباراتٍ أقل حدة ونقدًا كأن تقول له: “يُسعدني جدًا لو ساعدتني أكثر”.

ولكي تتجنب الانخراط بالنقد السلبي، ركز اهتمامك دومًا على تعبيرك عن مشاعرك ومخاوفك في العلاقة باستخدام صيغة “أنا”، وليس بمهاجمة الطرف الآخر وانتقاد شخصه، مثل “أنا أشعر بالحزن حينما تتبقى جميع الأعمال على كاهلي”، بدلًا من “أنتَ غير عطوف أو أناني”.

التصرف السلبي الثاني هو “الدفاعية”، فعادةً ما نلجأ للدفاع عن أنفسنا ودفع أي تحمل للمسؤولة أو الاعتراف بالخطأ في أوقات المشاكل والخلافات، بل إننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نرمي المسؤولية كاملةً ونلقي باللوم التام على الطرف الآخر حتى في حال كنا موقنين أنه ليس مخطئًا، والطريقة الدفاعية تزيد الخلافات حدةً وتقلص احتمالية حلها بسهولة وسلاسة، وينصح جوتمان الأزواج أن يأخذوا الوقت الكافي لسماع بعضهم البعض وتعويد أنفسهم على أن اعتذارًا صغيرًا قد يحل الكثير من المشاكل ويوفر عناء تطور الخلافات وعواقبها.

الازدراء والاحتقار والاشمئزاز وإن كان على سبيل الدعابة إلا أنه يشكل علامة غير صحية في العلاقة الثنائية

أما الازدراء فيكون بعدة أشكال، سواء بالكلمات واللفظ الساخر أو نظرات العينين وتعابير الوجه، أو حتى إهماله وعدم إعارته الانتباه اللازم، ويرى جوتمان أن الازدراء والاحتقار والاشمئزاز وإن كان على سبيل الدعابة إلا أنه يشكل علامة غير صحية في العلاقة الثنائية، ولا بد من تدريب النفس على الاستعاضة عنه بأساليب ودية وصريحة لإيصال الرسالة التي نريدها للطرف الآخر.

وينصح جوتمان أن يلجأ كلٌ من الطرفين للتركيز على الصفات الإيجابية عن الطرف المقابل بدلًا من التركيز على عيوبه والتصرفات التي تنفرُ منها.

والتصرف الأخير في قائمة المؤشرات الأربع هو المماطلة والتسويف في حل الخلافات، أو كما سماه جوتمان “stonewalling”، أي بناء جدران حجرية بين الشريكين تبعًا للمشكلة أو الخلاف، وتوصل جوتمان من خلال أبحاثه ودراساته للأزواج أن هذه الآلية هي الأكثر خطرًا على العلاقة من غيرها، فمع مرور الزمن تُصبح الآلية طبيعية ولا يعود الشريكان قادرين على معرفة أن اتباع مثل هذه الآلية يشكل خطرًا أو أنه تصرف خاطئ يضر بالعلاقة، فمرةً بعد مرة تكبُر الجدران الحجرية ولا تعود الحوارات وطرق حل الخلافات فعالة أو قادرة على إحداث نتائج إيجابية.

الرجال يميلون إلى بناء الجدران أكثر من النساء، ففي حين تلجأ النساء إلى التحدث عن المشكلة “الآن”

وبحسب جوتمان، فإن الرجال يميلون إلى بناء الجدران أكثر من النساء، ففي حين تلجأ النساء إلى التحدث عن المشكلة “الآن” و”فورًا”، يرى الرجال أنفسهم ميالون إلى ابتلاع المشاكل وتأجيل التحدث بها أو حلها، الأمر الذي يعمل بشكلٍ أو بآخر على استبعادهم وسحبهم من نطاق العلاقة – دون أن يشعروا -، مما يزيد من المشاكل وَحدتها.

ويرى جوتمان أن الطريقة الأكثر فعالية ونجاعةً للتخلص من الجدران الحجرية أن يأخذ الطرفان وقتًا مستقطعًا بعد حدوث المشكلة، حيث إن 20 دقيقة تشكل مدة كافية، يستطيع كلٌ منهما أن يجمع أفكاره ويأخذ نفسًا عميقًا ثم يعودان للحوار ومناقشة المشكلة بهدوء واستعداد لإيجاد الحلول.

وعلى الرغم من أن هذه السلوكيات الأربعة تشكل مؤشرًا سلبيًا للعلاقة، إلا أن جوتمان يرى أنه من الطبيعي أن ينخرط الشريكين أو أحدهما في واحدة من هذه السلوكيات، غير أن المشكلة الكبرى هي في حال استمراريتها وعدم اللجوء إلى استخدام السلوكيات الصحية التي تقلل من حدتها وخطورتها، مما يصل بهما إلى طريقٍ مسدود في العلاقة التي بدأت يومًا ما بطريقة مزدهرة وصحية إلا أن السلوكيات اليومية السلبية أدت إلى نتائج غير مرغوبة البتة.