تعد ظاهرة الطلاق العاطفي بين الأزواج إحدى الظواهر الفتاكة في المجتمع ، وهو مرض العصر الخطير الذي انتشر في معظم البيوت العربية خلال العقد الأخير، وهي من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تتزايد بشكل واضح في كل المجتمعات العربية، ويعرف الطلاق العاطفي بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد، مما يؤدي إلى فقر في التواصل الاجتماعي والإنساني. حيث تعاني معظم الأسر في مجتمعاتنا من الجفاف العاطفي بين أفراد الأسرة رغم استقرارها الظاهري ، ويتضح هذا الفيروس العاطفي بمؤشر بارز وهو وفاة المشاعر العاطفية بين الزوجين ، ووجود أفراد في البيوت كالغرباء .
جاء ذلك من خلال الدراسة الميدانية التي قام بها المستشار الأسري خليفه محمد المحرزي على مجموعة من الأزواج ( عدد 80 زوجة – وعدد 66زوج ) متوسط الزواج بينهم ( من 3 إلى 6 سنوات ) ومتوسط أعمارهم ( من 24 إلى 35 ) إذ أكد 88% من أفراد العينة بوجود شرخ كبير في الممارسة العاطفية بعد مضي عدة أشهر من الزواج ، كما أقر حوالي 69 % منهم بمرور العلاقة العاطفية بمرحلة موت سريري خلال فترة من مراحل حياتهم ، وأكد ما نسبة 77% منهم الشعور بالروتين والملل العاطفي .
وتتجلى ظاهرة الطلاق العاطفي في عدة مؤشرات لعل من أهما البعد عن الآخر بكلمات تثير العاطفة وعدم تداولها بشكل مستمر ، والشعور بالملل نتيجة الروتين اليومي ، ونمو مشاعر الإحباط وعدم الرضا التي يشعر بها كل طرف وإيجاد بديل عاطفي آخر وانشغال كل فرد من أفراد الأسرة بأموره الشخصية، وضعف التواصل الاجتماعي والعاطفي بين أفراد الأسرة، وعدم وجود أهداف مشتركة، .
يقول المحرزي .. عندما تتحول العلاقة الزوجية إلى اهتمام فائض عن الحاجة فإنه سوف ينفجر بلا شك ويصبح بلا تأثير إيجابي على العلاقة بين الزوجين ، ويقوض من استقرار الحياة الزوجية ، حيث يشعر الزوج بأن زوجته منصب تأثيرها الأساسي حول الإهتمام المبالغ فيه متناسية الإهتمام بنفسها وتطوير ذاتها ، وهنا يدق ناقوس الطلاق .إذ يؤكد خبراء العلاقات الزوجية أن الإهتمام المبالغ من الزوجة لشريكها يساهم بشكل فعال في تعجيل الطلاق العاطفي ويمكن أن يُحدث نوعا من الفتور في العلاقة بينهما معا ، حيث تتحول تلك الممارسات إلى عدم تأثيرها الإيجابي مع مرور الوقت لأن الاهتمام المبالغ فيه امر يضايق ويقيد حرية الشخص ، كما لن يحس بقيمة العلاقة الزوجية ان بالغت في الاهتمام به ولن يعامل الزوج شريكته بالشكل الذي يرضيها لأنها تعطى بصورة مبالغة لا يستطيع الزوج مجاراتها في العطاء فيمل منها سريعا ويعلن إنسحابه ، فالحب و الحنان عواطف لايستغني عنها الناس ولكن يجب أن تكون في حدود العقل والمنطق ولا يجب أن تتجاوز لتصل إلى مرحلة الإغراق العاطفي .
حيث إن القواعد الثابتة التي يجبر عليه الزوج ليست محببة في العلاقة الزوجية، لأنها تحدّ من هامش الحرية الشخصية وتلغي فيه مفهوم القرار الذاتي ، وجاء في الدارسة ان ما يقرب من 43% من الأزواج يرون ان الإهتمام المبالغ من زوجاتهم يدفعهم الى الملل ، ويجعل العلاقة العاطفية هشًة مع مرور الوقت ، وإذا اختفى الحب، فإن العلاقة الزوجية، تصبح عبارة عن روتين مَرَضي لا يدوم طويلًا حتى تفتر العلاقة الزوجية! كما تؤكد دراسة طرحها المجلس الإستشاري الأسري أن الإهتمام الغير مؤثر يساعد على حلول الخيانة الزوجية .
وتؤكد الدراسة الحديثة التي أجراها المجلس، عن ظاهرة الإهتمام في الزوج بصورة مبالغة لا تساعد الزوج على العطاء العاطفي كما تعجل من سرعة الإحباط النفسي للزوجة التي لا تجد الإستجابة الفعالة على كل ما تقوم به من اجل نيل رضى شريكها عنها فتشعر بالضيق والتبرم والإنزعاج ، علما بأن هناك خيطًا رفيعًا بين الرعاية والإهتمام ، إذ تفيد بأن الإهتمام المبالغ في توفير متطلبات الزوج قد يتحول إلى ملل منه ، فيشعر وكأنه ملزمٌ بإتباع أمور وقواعد معينة تمليها عليه الزوجة رغما عنه ، بغض النظر عما إذا كان يحبها أم لا، وهناك أمثلة كثيرة على الإهتمام المرضي، الذي يتحول مع مرور الزمن إلى تأثير سلبي على جهازه العاطفي ، فيشعر بالهروب من البيت والبحث عن أثارة جديدة ، ولكن العكس غير صحيح، أما الرعاية فهي مجموعة من القواعد والممارسات التي تسمح بإيجاد دائرة من الحرية بين الزوجين في ممارسة الأهتمام الذاتي بعيدا عن الأخر ، التي يتفق الزوجان على إتباعها، بقصد تنظيم أمور الحياة، بما في ذلك تفاصيل وسير العلاقة الزوجية، لتفادي سوء التفاهم والفوضى.
إن الإهتمام الإجباري يتحول إلى حالة مَرضية، تُفسد العلاقة الزوجية عبر سلسة من الممارسات التي تصر الزوجة على إتباعها ، دون التفكير في تأثيرها السلبي او الأيجابي على شريكها ، فما من أحد يحب أن يجبر على القيام بشيء لا يحبه! تصوروا مثلًا زوجًا يُجبر زوجته على ارتداء ثياب ذات لون أحمر فقط، طوال الوقت! وتصوروا زوجة تُجبر زوجها على الذهاب معها للتسوق كل مرة تقرر فيها الذهاب! والنتيجة المتوقعة لمثل هذه التصرفات، هو الشعور بالإكراه.
وأوضحت الدارسة بأن العلاقة الزوجية تحتاج من وقت لأخر إلى نوع ما يعرف بالإهتمام الذاتي لكلا الزوجين ، أي إعادة تأثير كل زوج على تطوير مشاعره وهواياته ورغباته بعيدا عن الأخر ودون تدخل منه من خلال تخصيص وقت فردي والإهتمام الفكري والجسدي والسلوكي والمعرفي فهي تعطى الحياة الزوجية نكهتها وطعمها .