مع بروز الكثير من الظواهر المستحدثة على الساحة الاجتماعية ، لمعت ظاهرة الخاطبة الإلكترونية أو الخاطبة التجارية ، التي أخذت تمثل منعطفا جديدا وبديلا عن الدور التي كانت مناطة بالخاطبة التقليدية ، باعتبارها تثمل دورا مهما في بناء النسيج الاجتماعي آنذاك وتعمل على تقارب الأسر على طريق أبنائها ، وتزداد أهمية الخاطبة باعتبارها وثيقة التواصل بين شرائح المجتمع بعد أن كان دورها محصورا في نطاق ضيق ، نظرا لطبيعة المجتمع في السابق من الترابط والتواصل والتقارب فيما بينهم ، ونظرا لقلة التجمعات السكانية ومعرفة معظم أفراد الأسر بعضهم البعض ، كما تمثل الخاطبة الناقل الرسمي للمواصفات الخاصة للفتاة المراد خطبتها ، والوسيط بين العائلتين للتوفيق بين العروسين ، كل هذا يتم وسط الالتزام بخصوصيات المجتمع ومراعاة الضوابط الاجتماعية وعدم الخروج عن العادات والتقاليد ، ولكن مع انحسار دور الخاطبة ، برزت عدة بدائل أخرى تمثلت في وجود بعض المؤسسات الاجتماعية كمشروع رباط المودة بجمعية أم المؤمنين ومشروع توافق بصندوق الزواج ومكتب حرم صاحب السمو رئيس الدول لشؤون المواطنات ، التي أخذت على عاتقها مهمة الدور المنوط بالخاطبة من ناحية التوفيق بين الأزواج . كما ظهرت مؤسسات أخرى منافسة تقدم نفس الخدمات ، ولكنها مصبوغة بالهدف التجاري والكسب المادي ، أو أنها تقدم تلك الخدمة المجانية بلا ضوابط أو قيود مصونة كمواقع الإنترنت أو عناوين الصحف والمجلات للجمع بين رأسين ، التي تتعمد على المعلومات العابرة والسطحية ، أو إنها لا توفر المصداقية في اعطاء البيانات المطلوبة مما فتح المجال لأن يستغل البعض تلك المواقع لتحقيق بعض الرغبات .
ففي كل فترة نسمع عن ظهور خاطبة جديدة تريد تقديم خدماتها للراغبين بالزواج مقابل مبلغا من المال لا يقل عن ألفين درهم للملف الواحد ، فهي تقدم خدماتها لكل من يرغب بالزواج ومن أي جنسية كانت بغض النظر عن الضوابط أو الشروط المتوافرة بالأطراف ، كما ان مسألة التعدد قد وجدت لها بابا واسعا عند المكاتب التجارية لأن المؤسسات الرسمية لا تفتح المجال أمام الراغبين بالتعدد ، وهذا يستدعى إعادة النظر حتى لا يفتح الباب على مصراعيه ، فالإحصائيات تدل على أن الزواج من ثانية تعد أحد أسباب الطلاق بين الزوجين .
كما أن السرية في التعامل مع الملفات ، تكون أكثر صونا وحفظا في المؤسسات الرسمية أكثر منها في المكاتب التجارية ، صحيح أن بعضها قد نحج في أداء هذا الدور ولكن لا يمكننا تقويم أداء هذا المشروع ما لم تصدر بيانات حقيقة بالإنجازات أو عدد الزيجات الناجحة التي حققتها كلا من المؤسسات الرسمية أو المكاتب ا لتجارية وإن كانت بعض الأرقام التي بثتها بعض الجهات متواضعة جدا قياسا بعدد الفتيات أو الشباب المتأخرين عن الزواج ، التي لم تخرج إحصائية رسمية إلى الآن في مدى حجم ظاهرة العنوسة ، لكن المؤشرات تدل على وجود ظاهرة ليست بالخفية كما جرى في إحدى الدول الخليجية حيث دلت المؤشرات على ارتفاع نسبة العنوسة فجاءت الإحصائيات الرسمية لتؤكد وجود اكثر من مليون ونصف فتاة من تجاوز سن الثلاثين ولم تتزوج ، ولذا فنحن بحاجة إلى إجراء مسح ميداني ذات مناهج علمية وموثوقة ، للتعرف على نسبة عدد الفتيات اللائى بلغن سنة معينة ولم يوفقن بالزواج ، حينئذ نستطيع أن نقول أن لدينا ظاهرة اجتماعية بشكل رسمي ، صحيح أن بعض الإحصائيات التي أشارت إليها التقارير السنوية لوزارة التخطيط عن ارتفاع سن الزواج في الإمارات أو نسبة عدد المطلقات لكنها لا تكفي لتقويم المشكلة بل تحتاج إلى دراسة تفصيلية عن مدى ارتفاع سن الزواج بين الفتيات والشباب وما هي أكثر الفئات التي تتأخر أكثر من غيرها وما مدى حجم هذه الظاهرة علما بأن نسبة النمو السكاني تنخفض بين المواطنين إضافة إلى انخفاض معدلات الإنجاب ، كما أن الفارق الرئيس بين المؤسسات الرسمية والمكاتب التجارية تنطلق من الغاية والوسيلة ، فالغاية في النهاية عند الجميع هو مساعدة المقبلين من الفتيات والشباب على الزواج ، وإقامة البيوت السعيدة والقضاء على تأخر سن الزواج ، لكن الفرق الواضح هو أن المكاتب الخاصة تحرص على المكسب المادي قبل كل شئ لضمان استمرار عملها وتغطية نفقاتها وكذلك على أنها مربح جيد تدر دخلا مناسبا يعرفه أصحاب المكاتب الخاصة ، صحيح أن كل تلك المكاتب تحرص على الاختيار الحسن وتوفير ما هو أفضل ، لكن الأولى تحرص على هذا المبدأ من باب نجاح رسالتها وضمان تحقيق الاستقرار والمساهمة في التصدي لبعض الظواهر الاجتماعية دون التفكير بأي مردود مادي ، أما المكاتب التجارية فهي تحرص على نفس الهدف من أجل كسب المزيد من النجاح والسمعة الجيدة بين أفراد المجتمع وخاصة من ينوي الزواج ، وقد يبالغ البعض من أصحاب المكاتب التجارية في إصدار بعض الأرقام الخاصة بعدد الزوجات الناجحة التي قد تصل الى ألف عريس وعروس ولم يحدث بينهما أي حالة طلاق واحدة أو حتى خلاف طرأ بين العائلتين ، علما بأن المؤشرات تدل بوضوح على أن السنوات الأربع الأولى من عمر الزواج تحدث فيها حوالي 94 % من الخلافات الزوجية .
لكن يبقى دور الخاطبة في النهاية مهما في تزويج الفتيات والشباب سواء كانت تقوم هي بنفسها عبر مكتب تجاري أو عن طريق مؤسسة رسمية .