في العادة يتجنب الكثير من أفراد المجتمع ارتياد المحاكم باعتبارها مكانا للنزاع والفصل في القضايا المختلفة ، فالكثير من الأفراد من يحرص على تجنب ودخول المحكمة ويقصر ذهابه على الحاجات الضرورية التي لا مناص منها ولو كان له الخيار لرفض القدوم حتى لو ارتبط الأمر بالأحوال الشخصية وأمور الزواج والطلاق ، لذا تجد العديد من شرائح المجتمع من يفضل الابتعاد عن ولوج المحاكم .
ظاهرة التعدد السري تعتبر جديدة وخطيرة على المجتمع وهي في ازدياد مستمر، كما أن أسبابها منطقية جداً، منها ما يعود إلى الموروث الاجتماعي، على اعتبار أن ظاهرة تعدد الزوجات محرمة في ثقافتنا الاجتماعية ، وعادة ما يقوم بها العديد من الذين يملكون المال والوفرة المادية ، ويلجأ كثير من الرجال إلى الزواج السري، حيث توجد نسبة كبيرة بين النساء يقبلن به ، إما لكونهن مطلقات يعلن أسرا ويرغبن في من يساعدهن في ذلك ، أو أنهن فتيات تقدمت بهن سن الشباب ويخشين أن يفوتهن قطار الزواج، أو مدفوعات بالحاجة المادية فتلجأ المرأة الفقيرة عادة للرضوخ لرغبة الرجل الغني في الزواج منها سرا، ومثل هذه الحالات تكثر بين كبار المسؤولين ورجال الأعمال .
أما أبرز الأسباب الداعية لهذا الزواج فهي
1 -ضعف أو غياب الوازع الديني: حيث يفتقر العديد من الرجال هذه الأيام إلى ثقافة دينية سليمة .
2 -الأسباب الاجتماعية: والمقصود بها هنا دور الأسرة قبل كل شيء في الاهتمام بأولادها وتوعيتهم بخطورة الانصياع وراء أصدقاء السوء أو مجرد تقليد البعض دون وعي .
صارت ظاهرة تعدد الزوجات والطلاق في المجتمع الخليجي مصدر قلق بالنسبة للكثير من النساء ، ونستطيع القول أنه فى مقابل انتشار ظاهرة الطلاق انتشرت ظاهر الإقبال على الزواج من النساء المطلقات بين الرجال ، ولايستطيع أحد إنكار وجود ظاهرة التعدد السري في المجتمع ، وهي ظواهر عرفها المجتمع الخليجي مؤخرا نتيجة لتطور العلاقات الانسانية بين الأفراد وتكييف الأمور بالطريقة التي تتناسب مع رغباتهم الجنسية ، فإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة في مصر مثلاً تشير إلى أنه من بين 230 ألف حالة زواج ثان، توجد 185 ألف حالة زواج سري، أما في السعودية فالمجتمع يعتبر أن كل حالة ولها ظروفها، في حين لم تشكل في الإمارات مثلاً ظاهرة تستحق الدراسة ، بل مجرد حالات بدأت تتكاثر وتمارس بين الشباب ولكن المؤشرات تقول بأنها في تزايد .
الزواج نظام اجتماعي متكامل وهو عقد ارتباط مقدس بين رجل وامرأة يمضيه الشرع ويباركه الله تعالى ، ولا ينبغي أن يصير مادة للعبث أو المخاطرة والمغامرة ، واللعب بالدين ، بل الواجب أن يؤدي إلى حياة استقرار ، وبناء أسرة ناجحة ، ولكنا لا نجد شيئـًا من ذلك في الزواج السري ، فلا ألفة بين أسرتين ، ولا إذن لولي ، ولا مهر ولا نفقة ، ولا مسكن ولا متاع ، ولا أسرة ولا أولاد ، ولا حياة مشتركة ولا قوامة للرجل ، ولا طاعة من المرأة ، ولا علم بين الناس ، ولا يجري التوارث بين الخليلين .
– معظم هذه الزيجات تنتهي بالفشل لأنها تحمل عوامل فشلها منذ بدايتها فهذه الزيجات لا تصمد أمام الخلافات الزوجية والاختلافات الطبعية في الحياة الزوجية السويّة لأنها تفقد الضوابط الأخلاقية، والضمانات المجتمعية التي تجعلها تجتاز الصعوبات و الطوارئ والمشكلات التي لا تخلو منها حياة زوجية.
– لا يحقق هذا الزواج مقاصده الاجتماعية والإنسانية في تحقيق التآلف بين أسرتين يتحقق فيهما قول الله سبحانه وتعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً وكان ربك قديراً)[6]. لأنهما يحرصان على كتمان أمرهما وإخفاء فعلهما ويتملكهما دائما الشعور بالإثم والخوف من المستقبل والقلق والاضطراب.
– يفتح هذا الزواج أبواباً للفساد لأن نهايته معلومة، وعواقبه الندم والحسرة ، ولأنه قائم على أسس واهية فإن أول من يخرج عليه هو الزوج المزعوم لأنه يستمرئ هذه الحياة التي لا يرتبط فيها بعقد ولا مسؤولية فيلجأ لأخرى يخدعها بهذا الزواج المزعوم القائم على الرغبات والأهواء.
تعتبر الزوجة أن اقدام الزوج على الزواج السري إهانة للزوجة الأولى، وانتقاصا من كرامتها وفقا للمنظور التقليدي لكرامة المرأة عند المجتمع الخليجي ، لدرجة أن بعض الزوجات من تطالب بالانفصال في حال اكتشافها الأمر ، كما تسبب هذه الزيجات السرية في الغالب نزاعات بين الزوجين، خصوصا بعد أن تجد المرأة الجديدة نفسها مضطرة لكشف الزواج بعد حملها أو وضعها لمولود، وتكثر إثارة النزعات المترتبة عن مثل هذه الزيجات السرية أمام قسم التوجية الأسري بدائرة المحاكم في الدولة،
فمن أبرز الأثار المترتبة على الزواج السري:انها لاتحقق مقاصد الزواج الاجتماعية والإنسانية لأنهما يحرصان على كتمان أمرهما وإخفاء فعلهما ويتملكهما دائماً الشعور بالأثم والخوف من المستقبل والقلق والاضطراب وهو ما يفتح باباً للفساد لانهاية له .
كما فتح هذا الزواج السري الباب واسعـًا أمام بعض البنات الصغيرات اللواتي هنّ في سن لا يكاد يصدق ، سن ما قبل السادسة عشرة أو ما بعدها ، فإذا تركها واحد من أخدانها بحثت هي عن آخر ، دون أن تسمع عن شيء اسمه عدة المطلقة ، وكيف تسمع والزواج بالأصل باطل، وتعتاد هذا النوع من الزواج البغائي ، فبعضهم وقع في براثن هذا الزواج السري بحسن نية .
– الآثار القانونية : لا يترتب على الزواج السري أية آثار قانونية تحمي الفتاة وتلزم الشاب بمسؤولياته تجاهها.. أولاً عدم توثيق العقد بشكل قانوني لا يثبت النسب ولايحق لها أيه مستحقات مادية من نفقة أو نصيب من الميراث.. وفي حالة وجود طفل فلمن ينسب هذه هي المشكلة الأكبر واعتقد بأن أكثر القضايا المرفوعة أمام المحاكم الشرعية هي دعوى لإثبات النسب
– الآثار الاجتماعية والنفسية : يعتبر هذا الزواج تجربة مريرة بكل مافي الكلمة من معنى ، فالفتاة التي تقدم عليه ضائعة نفسياً، وتظل طوال العمر تلوم نفسها على ما فعلته في حقها، مرفوضة اجتماعياً، فمن يرضى بها ان تكون زوجته وهي صاحبة تجربة يصفها البعض صراحة بأنها “زنا”، إضافة الى ضياع الجيل الذي يولد من هذه الزوجات، فمعظمهم لاينس إلى والدة ويضطر أهل الفتاة إلى كتابته باسم جده لأمه فلا يصبح معروفاً هل هو ابن الفتاة أو أخوها.
تعد الظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع سببا من أهم أسباب انتشار ظاهرة الزواج السري ، فمعظم الشباب على وجه الخصوص يدخل في تجارب عاطفية متعددة تتدرج من مجرد الإعجاب الى التورط في زواج سري يستطيع خلاله إشباع حاجاته ورغباته دون أيه قيود أو شروط والحجة هي الظروف المادية.. يضاف إلى ذلك تكاليف الزواج المرتفعة ، كما لعبت الظروف الاجتماعية دورا مؤثرا من كثرة العنوسة وخشية الفتاة أن يفوتها قطار الزواج، والقبول به كحل أحادى لمشكلتها، وكذلك بنات الفقراء اللاتي يتزوجن من أثرياء زواجاً سرياً لمساعدة ذويهم في الحصول على لقمة العيش ، كلها أسباب أدت إلى هروب الشاب إلى هذه الأبواب السرية بحثاً عن متنفس لرغباتهم الفطرية .
قد يلجأ الإنسان إلى السرية في أفعاله عندما يشعر أن في عمله عيباً أو نقصاً ما. لكن السرية بحد ذاتها تترك آثاراً سلبية. وفي هذه الحالة تكون الآثار الاجتماعية والنفسية السلبية بالغة الخطورة. وحتى حين يكون الزواج السري حلاً فعلياً لمشكلة واقعية، يجب البحث أولاً، بكل الإمكانات، عن حل علني وواضح. فالعلنية تدل وتؤكد الثقة بالنفس. كما أنها تحافظ على كرامة الرجل، والمرأة خصوصاً لوضعها الاجتماعي الحساس في المجتمع.
هناك من يرى في الزواج السري ملاذاً آمناً من ارتكاب الخطيئة ، وهناك من يجد فيه امتهاناً لكرامة المرأة وحقوقها ، تقول لي أحدى المتزوجات بالسر بأنها ارتبطت بزميلها في العمل في قصة حب. فتزوجته سراً نظراً لظروفه الاجتماعية التي لا تسمح له بإشهار زواجها. منها أنه متزوج من امرأة أخرى. وترى أن تجربتها هذه قد حرمتها من مزايا الزواج العلني العادي، خاصة أن زواجها هذا جعلها مجرد ظل للزوجة العلنية.
أما الزوجة الأخري فترى في الزواج السري، في حال الاضطرار إليه، خلاصاً من شبح العنوسة بعدما بلغت الخامسة والثلاثين من العمر دون أن يخطبها أحد. لكنها تعتقد أن أوراق القوة تزداد في يد الرجل في هذا الزواج. فهو صاحب الحق الأخلاقي بأن يشهر أو لا يشهر زواجه هذا.
للرجال رأي أيضاً. فأحد الأزواج يرى أن الزواج السري ليس نزوة بل يقي الرجال من اللجوء إلى الخيانة الزوجية فيقول (مرضت زوجتي. ولم يناسبني اللهو والسهر بسبب خوفي من عاقبته لذلك لبى الزواج السري احتياجاتي وحافظ على مشاعر زوجتي دون ان تدري بأني تزوجت عليها بالسر .
أما الزوج الآخر الذي تزوج امرأة لا يحبها نزولاً عند رغبة والديه ، فقد وجد نفسه في حياة صعبة مع امرأة لا يتفاهم معها ، ولأن والده لا يسمح له بالطلاق، تزوج امرأة أخرى دون إشهار رسمي . ويرى أن ذلك وفر عليه مبالغ طائلة كان سيدفعها في الزواج العلني، كما حصل معه في الزواج الأول. ولأنه سعيد مع زوجته الثانية لايفكر في أن يشهر زواجه منها.
يرجع أسباب إقبال الرجال على الزواج من السري إلى أن الرجال يدركون أن الطلاق في المجتمع لا يعود في أغلب حالاته إلى نواقص أو مشاكل تعاني منها المرأة، بقدر ما يعود إلى أمزجة الرجال وغياب الإحساس بروح مسؤولية الأسرة عند معظمهم، وقد دفع الإقبال على الزواج من المطلقات إلى يسمية الرجال بـالمطلقة المرغوبة إلى البحث عن هذا النوع من الزواج ، كما أن انتشار ظاهرة الطلاق بين الجنسيات الأخرى جعلت من المطلقات أغلبية وحدت من الخيار أمام الرجال، أضف إلى ذلك بحث الرجال عن ذوات التجربة ، كما يقول لي ( ن . س ) المتزوج وأب لثلاثة أطفال ، فيقول : لا أشعر بمتعه الزواج الذي يجمعني بزوجتي التي اقدرها كل التقدير، لكنها لاتشعر بأنني رجل ،أمامي مغريات عظيمه كوني رجل لديه طاقات هي تعتقد بأنها حينما تنجب لي كل سنة طفلاً فإنها ستجعلني امام الأمر الواقع ولا تدري بأنها كلما انشغلت بالطبيخ والأولاد،انشغلت انا بغيرها ، كما يصف لي أحد المتزوجين بالسر بأنها متعة لا توصف ،لاسيما انك تشعر بامتلاك شيء ما لايعرفه عنك الأخرون، وكأنه مخبأ سري تلجأ اليه في وقت الراحة ، وإذا لم اجد راحتي عند الثانية فإنني لن اتردد في البحث عن ثالثة وهي على علم بذلك لانني صادق مع ذاتي لا كما يعتقد البعض بأنني متجبر ومتمرد واناني ، لا استطيع ان أعلن زواجي الثاني مهما كانت الأسباب والدوافع،لان زوجتي الأولى ستدمرها وتدمرني معها .
هذا النوع من الزواج السرّي يحمل كثيراً من المخاطر التي تمس المجتمع والأفراد ويمكن أن نجمل بعضها فيما يلي:
أولاً: يخالف هذا الزواج ما تعارفت عليه المجتمع من أن الزواج نظام اجتماعي ينبني عليه قيام أسرة جديدة في إطار النظم الاجتماعية التي تحددها المجتمعات
ثانياً: الزواج الشرعي وسيلة لتحقيق أهداف المجتمع في التعارف والتزاوج وتوثيق الصلات ومقاصد الشرع في إيجاد السكن والمودة في الأسرة
ثالثاً: الزواج السرّي يخلو من ضوابط الزواج الصحيح القائم على صيغة عقد وولي ومهر وشهود وإشهار.
رابعاً: الزواج السرّي يخالف الزواج الشرعي الذي يحقق الإشباع الجنسي والعفاف والمتعة الحلال وليس عبارة عن لقاءات جنسية عاجلة، ومتعة محرمة يتم بين شخصين يحركهما الجنس، وتدفعهما الشهوة دون الارتباط بالمسؤوليات الاجتماعية والخلقية المطلوبة من الزوجين، وهذا ما يفقد هذا الزواج الكفاءة بين الزوجين والتباين في الصفات، والتنافر في الأخلاق.
خامسا : كم يحمل من الإيذاء لزوجة السر التي قد يهددها الزوج بالطلاق في أي وقت، وقد لا يرغب بإنجاب الأولاد منها .