زواج الأقارب Inbreeding – Endogamy
بدأ الكثير من الأزواج الجدد التركيز على زواج الأقارب وعلاقتها بالأمراض الوراثية في الذرية ، وترجع أهمية هذا الموضوع الى أن زواج الأقارب مفضل فى بعض المجتمعات العربية على الخصوص وذلك لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة ، وصغر السن عند الزواج وما يصاحبه من عدم النضج العاطفي وانفراد الآباء بالقرار ، وتحتم التقاليد في بعض القبائل العربية ألا يتزوج البنت إلا ابن عمها .
ما مدى انتشار زواج الأقارب في العالم؟
– في دراسة للدكتور Bittle (1990) توصل إلى ان 20% من سكان العالم يحبذون زواج الاقارب .
– دراسة اخرى تبين أن6,5% من الازواج في العالم هم أقارب وأن 8,4% من المواليد يولدون لأبوين بينهما قرابة .
– من خلال دراسة قمت بها في مجتمع البحرين والتي شملت 1000 عائلة من الجيل السابق (الآباء) و500 عائلة اخرى وجد ان نسبة زواج الاقارب في الجيل الحالي 40% وفي جيل الآباء كانت نسبته 45% ووجد ان زواج ابناء العمومة من الدرجة الاولى نسبته في الجيل الحالي 21%، ونسبته في جيل الآباء 24,5% أما أبناء العمومة من الدرجة الثانية فكانت نسبته متقاربة 8% تقريبا, والاقارب الأبعد 8%
– لقد تبين من دراسة ميدانية لحالات الزواج بالكويت سنة 1983 أن زواج الأقارب يشكل 54,3 % من حالات الزواج وأن نسبة زواج الأقارب سنة 1986 كانت 53,9 % مما يدل على نسبة زواج الأقارب عالية في المجتمعات العربية ومما يدل أيضا على أن الأسباب التي دعت إلي زواج الأقارب لم تقل بمرور السنين .
– نسبة زواج الاقارب بين السعوديين هي 57.7% وهي الأكبر بين دول العالم في معدلات زواج الاقارب ، وتزيد في الإمارات على 40% من إجمالي الزيجات ، وتبلغ حوالي 49% في فلسطين.
– تنخفض هذه النسبة كثيرآ في الدول الغربية لتصل إلى 1-2 % من عدد الزيجات
وفي دراسة ميدانية أخرى في هذا الموضوع في مصر سنة 1983 تبين أن زواج الأقارب يشكل 38,96 % من حالات الزواج ، وبعض المجتمعات الشرقية تسمح بزواج الرجل من بنت أخيه أو بنت أخته كما هو الحال فى بعض مناطق الهند ، إلا أن بعض المجتمعات الغربية لها نظرة مختلفة في زواج الأقارب ففي بعض الولايات الأمريكية لا يسمح بزواج أولاد العم والعمة أو الخال والخالة .
آراء الفقهاء في زواج الأقارب
اتفق الفقهاء على جواز زواج ابنة العم أو ابنة العمة أو ابنة الخال أو ابنة الخالة ، ولكنهم اختلفوا في الوصف الشرعي لهذا الجواز على ثلاث أقوال :
1– القول الأول : الكراهية:
وهو مذهب الشافعية والحنابلة وقد استدلوا بأدله كثيره منها :
أ- مايروى ان الرسول -عليه السلام قال : (( لاتنكحوا القرابة القريبة ،فإن الولد يخلق ضاويا)) وهو حديث ضعيف بل ساقط لا أصل له .
ب- مايروى ان الرسول -صلى الله عليه وسلم قال : (( اغتربوا لا تضووا)) وهو حديث ضعيف ايضا فقد روى مطلقا ، أي مجرد عن الراوي وعن السند، مرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ومرة عن أصحابة ، ومرة على انه من كلام العرب.
ج- واحتجوا بالأثر الذي يروى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال (( يا آل السائب قد أضوأتم ،فأنكحوا في النوابغ))
2- القول الثاني : الاباحة :
وهو مذهب المالكية فاعتبر المالكية الكفاءة في الدين وسلامة الحال من العيوب الموجبة للرد فدل هذا على إباحة زواج الأقارب عندهم أيضا وقد استدلوا بأدلة كثيرة منها :
أ- قوله تعالى (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)) وجه دلالة هذا الدليل أن لفظ ((ما)) من ألفاظ العموم فيتناول جميع النساء ولا يخصص العام ألا بمتواتر أو مشهور أو خبر آحاد والأدلة الواهية كأخبار التغريب لا تقوى على التخصيص بالاتفاق فتبقى الآية على الإباحة بالنسبة لزواج القريبات.
ب- قوله تعالى(( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك..))
ج-زواج الرسول -عليه السلام – من ابنة عمته زينب بنت جحش .وقد اعترض الشافعية على هذا الدليل قال الرملي وغيره (( وتزوجه – صلى الله عليه وسلم- لزينب بنت جحش مع كونها بنت عمته ، لمصلحة حل نكاح زوجة المتبني)) ويمكن الجواب على هذا الاعتراض بأنه لا تلازم بين ذلك وذلك، ولكن ليس بلازم أن يجري ذلك على زينب بالذات ،ولو كان زواج الاقارب مكروها لا قتضت حكمة الله ـ تعالى ـ أن يجري على غير زيد وزينب رضي الله عنهما وعلى غير المصطفي -صلى الله عليه وسلم-.
د- تزويجه صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من ابن عمها عتبة بن أبي لهب،وابنته أم كلثوم من ابن عمها عتيبة بن أبي لهب،، فلما نزلت سورة المسد قال أبو لهب لولديه (( رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتيه ففارقاهما ولم يكونا قد دخلا بهما فتزوج عثمان رضي الله عنه رقية فظلت معه حتى ماتت ، ثم بنى بأختها أم كلثوم حتى ماتت ( وعثمان أيضا قريب للرسول صلى الله عليه وسلم)
وكذالك تزويجه – صلى الله عليه وسلم- زينب من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع.
3- القول الثالث : الندب:
وهو مذهب الظاهرية والشيعة ، وقد استدل الظاهرية والشيعة بعموم الأدلة التي احتج بها أصحاب القول الثاني ولكنهم هنا حملوا فعل رسول الله -عليه السلام- على الندب بدل الإباحة كما هو ظاهر من كلام ابن حزم ((وإنما تخيرنا نكاح الأقارب ، لأنه فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم ، لم ينكح بناته ألا من بني هاشم وبني عبد شمس ، وقال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) أما الشيعة فكما هو معروف تشبث الشيعة بعمل آل البيت . ويمكن مناقشة الظاهرية والشيعة بأنه يتعذر هنا حمل فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الندب توفيقا بين الأدلة ،فقد وقع التصريح بالآيات القرآنية بالحل والإباحة ،قال تعالى (( وأحل لكم ما وراء ذلكم)) وقال تعالى(( إنا أحللنا لك أزواجك..)) فدل هذا على أن فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- محمول على الإباحة ، دفعا للتعارض بينه وبين الآيات، ولان حمل الأدلة على الندب يوقع الناس في الحرج وهو خلاف مقاصد الشريعة .
كيف تنتقل الأمراض الوراثية عبر زواج الأقارب.
تتكون المنطقة في الرحم من أمشاج الذكر والأنثي وتحمل تلك الأمشاج العوامل الوراثية من كل ممن الأب والأم وهكذا تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلي الأبناء والأحفاد .
ما تأثير الوراثة أو التأثير الوراثي؟
ان الانسان عرف تأثير الوراثة منذ القدم، وقد درست القواعد التي تحدد كيفية انتقال الصفات التي تميز الفرد من الاباء الى الابناء وحيث ان كل صفة تعتمد على وجود عوامل وراثية هي الجينات، تنتقل بدون تغيير من خلية الى اخرى من خلال عملية الانقسام غير المباشر الذي يحدث في الخلايا الجسدية, كما تنفصل هذه الجينات ويعاد اتحادها بتباديل وتوافيق مختلفة عن بعضها اثناء الانقسام الاختزالي عند تكوين الامشاج وفي بداية تكوين الجنين.
وتتواجد هذه الجينات في النواة محمولة على الصبغيات ويتكون الجنين من اتحاد مشيج من الاب ومشيج من الام محتويا على جميع الجينات التي تأتي من الاب والام معا.
وفي خلية جسم الانسان هناك 46 صبغيا متواجدة على هيئة ازواج (23 زوجاً) تنقسم إلى مجموعتين، مجموعة الصبغيات الذاتية وعددها 22 زوجا تكون متشابهة ومتماثلة تماما في الذكر والأنثى وهي المسؤولة عن الصفات الجسدية مثل طول القامة أو لون الشعر، والمجموعة الاخرى هي مجموعة الصبغيات الجنسية وتكون الصبغيات مسؤولة عن الصفات الجنسية.
وتحتوي كل من البويضة والحيوان المنوي على 23 صبغيا، وبعد الاخصاب فإن البويضة الملقحة تحتوي على 46 صبغيا وتنتقل العوامل الوراثية من خلية الى خلية اخرى اثناء الانقسام الخلوي، معنى ذلك ان البويضة الملقحة تحتوي على المعلومات الوراثية التي تأتي من الاب والأم، وبالتالي فإن مواصفات الابن هي خليط مما يساهم به الاب ومما تساهم به الام اي ان البرامج الوراثية موجودة منذ تكوين البويضة المخصبة، ثم تبدأ هذه الجينات الموجودة في العمل لاظهار المواصفات الخاصة بالفرد طبقا للبرنامج الموجود مسبقا.
ما هي الأمراض الوراثية السائدة؟.
اكثر الأمراض الوراثية شيوعاً بين مواليد المتزوجون من أقاربهم هي الأمراض التي يطلق عليها الأطباء الأمراض المنقولة عن طريق الوراثة المتنحية ( انظر الوراثة المتنحية) . ويرجع السبب في هذه الزيادة هو لانتقال مورثات غير سليمة من أحد الأجداد المشترك بين الأبوين وينتقل هذا المورث الغير سليم(المعطوب) من ذلك الجد إلى أبنائه ثم إلى أحفاده .وإذا تزوج هذان الحفيدين من بعضهما البعض فان كل واحد منهما قد يعطي النسخة المعطوبة لأحد أبنائه عند التخصيب ولودهما المورث المعطوب ،فيصبح لدي هذا الطفل مورثين معطوبين مما يؤدي لحدوث مرض وراثي يختلف نوعه باختلاف نوع المورث المنقول.وأنبه هنا إلى انه حتى في الأمراض التي تنتقل بالوراثة المتنحية لا تكون نسبة
ومن الأمثلة على الأمراض السائدة مرض شتاينرت: يعد من اكثر الامراض الوراثية انتشارا في دول أوروبا الشمالية خاصة في هولندا وهو مرض يصيب الاجهزة العضلية والعصبية وتبدأ عوارضه بالظهور في عمر 15 إلى 30 سنة بشكل تقلص عضلي شديد خاصة بعد الإجهاد ولا يشمل المرض الجهاز العضلي فقط، بل يصيب ايضا الجهازين الهرموني والعصبي وقد يحدث احيانا ان يصاب حامل المرض بالشلل وقد تشل عضلات الوجه ايضا، ويفقد المريض القدرة على الكلام.
أيضا مرض فرط كولسترول الدم العائلي: حيث ان للجسم في الحالة الطبيعية قدرة كافية على ابقاء نسبة مادة الكوليسترول في الدم بشكل طبيعي, ويتم ذلك بواسطة مستقبلات البروتين الشحمي ذي الكثافة المنخفضة التي تحمل الكولسترول وتزيله من الدورة الدموية، وبذلك فإن عدم وجود هذه المستقبلات يعتبر مسؤولا عن المرض الوراثي المسمى فرط كولسترول الدم, هذا المرض يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ويسبب حدوث نوبات قلبية في سن صغير نسبيا وقد توصل إلى ان هذا المرض ينتقل كصفة سائدة تحددها جينة واحدة.
كذلك مرض هانتنغتون: حيث تتسبب الجينة المسؤولة عن هذا المرض في تدميرمتواصل لخلايا الدماغ، مما يؤدي الى حدوث انقباضات عضلية متواترة ومؤلمة، وكذلك عوارض تؤثر على شخصية المريض.
ولهذا السبب فإن ممارسة عمليات التشخيص المبكر على الاجنة تعتبر من الوسائل الهامة لمحاصرة المرض.
متى يجب ان نحذر من زواج الأقارب؟
إذا عرف الشخص ان أحد أفراد عائلته، أو عائلة شريك حياته، ولد له اطفال مصابون بمرض مزمن ابتداء في بداية الحياة وهو متكرر في العائلة فهذا يعني ان هناك احتمالا ان يكون المرض وراثيا في هذه الحالة من الافضل استشارة الطبيب ودراسة الحالة المرضية ومدى تكرارها واجراء الفحوصات اللازمة ومن ثم يمكن التأكد مما إذا كان هذا المرض الذي يتكرر في العائلة وراثيا ام لا, فقد لا يكون المرض وراثيا وليس هناك احتمال لانتقال المرض إلى الابناء, وبالتالي فليس هناك خطر من الزواج من الاقارب، اما إذا كان هناك احتمال وجود مرض وراثي في العائلة فإن الطبيب سوف يشرح المرض بصورة مفصلة وماهي نسبة الخطورة في اصابة الابناء وهل هناك علاج لهذا المرض, وهل هناك طرق لاكتشاف ما إذا كان الشخص حاملا للعامل الوراثي المريض ام لا, وما هي الاحتمالات إذا تزوج من قريبته, وكما قلنا فإنه حتى لو ظن الزوجان انهما يحملان نفس العامل الوراثي المريض, فإن الاحتمال في انجاب اطفال مرضى هو 25%.
لا بد من الإشارة إلى ان زواج الأقارب ليس شرآ دائمآ ، وليس هو سبب إنتشار الامراض الوراثية دائمآ ، وإنما يمكن أن تنتشر الأمراض الوراثية في المجتمع بين أطفال غير الاقارب ، ويكون اطفال الأقارب أصحاء، وهذا يعتمد على نوعية المرض الوراثي وعلى طريقة إنتشاره وعلى نسبة إنتشاره .
لذلك ينصح دائمآ بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج عند الرغبة بالزواج من الاقارب كإبن العم أو ابن الخالة و ابن العمة ، وكذلك عند وجود امراض وراثية منتشرة في المجتمع مثل فقر الدم المنجلي و الثلاسيميا ، أو أي مرض وراثي آخر
قصص حول الأمراض الوراثية .
– تقول طالبة في احدى الجامعات ، امي هي ابنة خال والدي ولله الحمد لم تحدث اي مشاكل صحية لي او لاخوتي من جراء هذه القرابة، لكن المشكلة بدأت عندما تزوجت اختي بابن عمتي دون اجراء اي فحوصات للتأكد من سلامة هذا الزواج المتشابك فكتب عليها ان ترزق بطفل (منغولي) .
– تحكي (س.ع) عن مأساتها فتقول، ارتبطت بأحد اقاربي وبعد محاولات متواصلة تمت الموافقة على مضض فلم تسعنا الفرحة عندما أجرينا الفحوصات الروتينية التي تسبق الزواج وكانت النتيجة سلبية تؤكد وجود خطر على اطفالنا في المستقبل ووجدنا انفسنا امام اصعب قرار في حياتنا اما المخاطرة والدخول في سلسلة المعاناة او التفكير بواقعية والانفصال واخترنا الحل الثاني .
– سالم متزوج منذ 11 عاماً يعمل سائقاً وزوجته ابنة خال لديه خمسة اولاد ثلاثة منهم مصابون بمرض نقص النمو، ابنته فاطمة في ربيعها السابع لاتستطيع الوقوف ولا السير فهي تتحرك زحفاً ليس لديها رغبة بالذهاب الى المدرسة، ولاتحب ان تلعب مع الاطفال واكتفت بهز رأسها ولم تتكلم كلمة واحدة والدها يقول عرضتها على اكثر من طبيب لكن الجميع اجمع بسبب عامل وراثي ولا فائدة من العلاج فأنا لم اتلق اية توعية تجاه مخاطر زواج الاقارب .
– يقول أحد الأزواج عندما تزوجت من إحدى قريباتي لم نعلم عن انفسنا اننا حاملين للمرض الوراثي الا عندما انجبنا اولادا مصابين بمرض تكسر الدم الوراثي ويتعين عليهم نقل دم شهريا حيث أتألم لألم اولادي حيث انهم لم ينعموا بحيوية الحياة كبقية الاطفال .
– وتحدث أحد الأزواج قائلا انا مصاب بتكسر الدم المنجلي وعقدت على احدى قريباتي ولكن فوجئت اثناء حملها بتعرضها لالام مبرحة توقعت في البداية انها ربما كانت من آثار الحمل وكم كانت المفاجأة قاسية لي عندما ابلغني الطبيب المعالج بان زوجتي مصابة بتكسر الدم المنجلي وبعد معرفته باصابتي بنفس المرض لم يخف علي ان اطفالي سيحملون نفس المرض وبعد ولادة زوجتي اتضح لي مدى الخطأ الذي ارتكبته بحق نفسي وزوجتي وطفلي.واضطررت مكرها للطلاق خشية انجاب اطفال آخرين يشاركونني نفس المعاناة .