وحتى يمكن الوصول إلى حلول مناسبة لهذه القضية، فسنحاول خلال هذه السطور رصد دوافع سوء معاملة الآباء للأبناء والتي جاءت على النحو التالي:
الانفتاح على العالم في كافة الجوانب الثقافية والاقتصادية والقيمية: وهذا له أثر على ظهور أنماط وأساليب لا تتفق مع قيم آبائنا الأخلاقية. ومن هنا يأتي ما يسمى بالصراع بين الأجيال، كما تشير الدكتورة سهير العطار في كتابها “علم اجتماع عائلي”.
الخوف الشعوري واللاشعوري: أما الدكتور وائل أبو هندي- الأستاذ المساعد للطب النفسي بجامعة الزقازيق، فيرى أن هذه الظاهرة تعود غالبا إلى نوعين من الدوافع، دوافع شعورية، ودوافع لا شعورية. ففي النوع الأول: يسيطر خوف الآباء من التغيرات الحاصلة في المجتمع علي طريقة التعامل مع الأبناء. أما في النوع الثاني فيظهر خوف فقدان السيطرة؛ فالشاب الذي يكبر يمكن أن يكشف عن بعض نقاط الضعف في والده الذي لم يحب أن يعرفها ابنه عنه.
التغيرات المتلاحقة في كافة أوجه النشاط الإنساني في المجتمع وما يصاحبه من تغيرات في القيم والاتجاهات والعادات: فلا شك أن لهذا أثره على أداء الأسرة لدورها التربوي والأخلاقي؛ إذ إنها تواجه العديد من التيارات الفكرية التي تتناقض مع القيم التي يعمل الآباء على دمجها في شخصية أبنائهم. وهذا ما حدث في حالة الفتاة الملتزمة خوف أبيها من الاندماج في أي تيار إسلامي ولهذا نجد التشدد في المعاملة عليها.
زيادة المتطلبات الأسرية نتيجة الانفتاح علي العالم: وتدني المستوى الاقتصادي للأسرة يلجأ الآباء إلى السفر لتوفير متطلبات أبنائهم المادية؛ وينسوا أهم متطلب وهو الحاجة المعنوية للأبناء كما يرى. عبد الباسط عبد المعطي في كتابه “نظرية في علم الاجتماع”. وهذا ما حدث مع الشاب الذي فقد أباه نتيجة لسفره بالخارج.
خروج المرأة لمجال العمل أدى إلى تغير في توزيع الدوار بين أفراد الأسرة: فبعد أن كان الأب مسئولا على الإنفاق في الدور الأول والأم مسئولة عن التربية، أصبح دور التربية يقوم به مؤسسات وحضانات؛ فبالتالي فقد الابن لغة الحوار مع أهله، حسب رؤية الدكتور حسن الخولي في كتابه “علم اجتماع المرأة”.
ورغم تلك الدوافع التي جعلت الأسرة تفقد جزءا كبيرا من وظيفتها، وهي التربية، مما نتج عنه عقوق الآباء للأبناء، فتبقى المشكلة كما هي، فهل يعي الآباء الخطر الذي يحيط بهم، أم يستسلموا لدوامة الحياة، وعواصف العولمة التي تجتاح مجتمعاتنا؟!، عليهم أن يختاروا.. إما المقاومة وإما الاستسلام
إن رجاء الأب قد يخيب في أبنائه وقد يتحول الأمل إلى ألم ، والسعادة إلى شقاء حينما يبذل الوالد الوسائل والأسباب التي يرى أنها ستسعد أبنائه ويسعد هو بسعادتهم ثم يكون أبنائه حسرة عليه ، وتطالعنا الجرائد والصحف كل يوم بقصص مأساوية تجسد عقوق الأبناء بآبائهم كما ذكرت قريباً قصة هذا الشاب الذي سكب على أبيه وهو نائم سائلا كيماوياًُ قتله في الحال ، بل وفصل لحمه عن عظمه ، وما ذلك إلا لأنه يستحي من فقر أبيه ومن مهنته البسيطة ، وقبل أن يجئ في أذهاننا أن الفقر هو السبب .
فقصة طالب كلية الطب الذي قتل أمه من أجل حبيبته وعشيقته وهو من أسرة ثرية وأمه أستاذه جامعية ، قتل أمه التي كابدت ألام الحمل والوضع وكم أسهرت عينيها لينام وكم أتعبت نفسها ليستريح وكم تذوقت من مشقات وكم دمعت .. كل ذلك ليسعد هو فيكون جزاؤها أن تلقي حتفها على يديه الآثمتين .
وفي جريدة الأهرام يحكي طبيباً قصته فيقول : كنت طبيباً مشهوراً ولي مركز مرموق واستطعت من خلال مكانتي أن أجعل أبنائي يحصلون على تقديرات عالية لا يستحقونها ، وأصبحوا أطباء وبعد ذلك وضعتهم في مراكز كبيرة من خلا مكانتي وذلك من فرط حبي لهم ، ثم يستطرد فيقول : والآن وقد مرضت بالمرض الخبيث الذي كنت أعالج منه الناس ، تخلى عني أبنائي كلهم جميعاً وتكوني أسير المرض وقد أنفقت على مرضي كل ثروتي ولكن دون جدوى ، وأنا الآن أعيش أسير الديون أنتظر الموت ، وأتسأل أين أبنائي ؟!! ، أتساءل أنا المريض : أين أبنائي الأطباء ؟!!! ، أعني الذين جعلت منهم أطباء ، ولسوا أهلاً لذلك ما كلف أحدهم نفسه وقام بالكشف عليّ ، ولا حتى بزيارتي بل ولا رفع أحدهم سماعة التليفون ليسأل عني ومن قبل وبعده بخلوا عليّ بأموالهم .